«بيضة» تدخل التاريخ

17-01-2019
نور المحمود

بيضة تدخل «التاريخ». ليس لأنها من ذهب، ولا هي مصقولة ولا مزينة برسوم أو محفورة بأنامل أشهر المزخرفين.. إنها مجرد صورة لبيضة عادية، نشرها مجهول على صفحة أنشأها خصيصاً لحصد «رقم قياسي عالمي لبيضة»، طالباً من المتابعين على «إنستغرام» المشاركة لجمع أكبر عدد من الإعجاب «اللايك» لهذه الصورة.
التجربة نجحت وحققت نحو 45 مليون «لايك» خلال أيام معدودة. الهدف منها؟ كسر الرقم القياسي الذي حققته نجمة التواصل الاجتماعي كايلي جينر حين نشرت صورة يد مولودتها الجديدة، حاصدة 18.5 مليون إعجاب.
ما هذه التحديات التي تشغل العالم بلا أي هدف أو معنى؟ المنجرفون خلف الفكرة يبررون ترويجهم لها على صفحاتهم، بأن هدفهم إثبات أن أية صورة تافهة قادرة على نيل إعجاب الملايين، أكثر من كايلي جينر، وعائلة كردشيان، والكثير ممن حققوا شهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب صورهم وأشكالهم ليس أكثر. أما إذا نظرت لحقيقة الأمر تكتشف أشياء أخرى ومؤسفة.
مؤسف أن ترى انعكاس حال المجتمعات والزمن الذي وصلنا إليه، من مرآة «إنستغرام» وغيره. ومؤسف أن ترى في المرآة أن الملايين من البشر مستعدون للحاق بأي كان، وخلف أية فكرة، والترويج لها وتبنيها، حتى ولو ساروا خلف صورة صامتة ل «بيضة» أو «نصف بصلة»، أو «قطع دجاج مقلية».. وهو ما حصل فعلياً، حيث سبق أن أطلق أحدهم صورة نصف البصلة لتحدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحصد معجبين أكثر منه، وتحقق له ما أراد!
مؤسف أن تثبت تلك «التقاليع» أن الناس يسيرون أحياناً بشكل أعمى خلف كل جديد أو غريب أو كل ضجيج. مستعدون لاتباع الموضة في اللبس والشكل والتعليقات والألفاظ والصور ومقاطع الفيديو.. والمؤكد أن صورة فارغة صارت أفضل من فكرة أو كلمة مكتوبة تحمل مضموناً حقيقياً. والمقصود بالأفضل أنها تحظى بأعداد كبيرة من «اللايكات» والمتابعين والمعجبين، وبسرعة البرق، بينما تعاني الكلمة الجادة والهادفة، وتجاهد وتبقى معلقة لأيام وأسابيع على جدران صفحات التواصل الاجتماعي، ولن تصل إلى ما تحققه «بيضة» أو «نصف بصلة».
هذا المجهول الذي يطلق تقاليعه على «إنستغرام» وأخواته، يعلم جيداً أن عالم التواصل الاجتماعي غريب ومهووس بكل ما هو غير تقليدي أو متوقع، وأنه يقود الناس إلى السذاجة، ليحقق شهرة عالمية في خلال ساعات، بل يصبح مليونيراً دون أي مقومات أي معايير محددة وواضحة، كما يحصل مع فئة من مشاهير «السوشيال ميديا». إنه عالم الفقاقيع.

noorlmahmoud17@gmail.com