أكرم الأمير

17-01-2019

سوسن دهنيم

حين يكون الرحيل بعد أمل كبير، تكون فاجعته أكبر. يكون طعمه مراً وصدمته عنيفة. وحين يغيب شاعر تسقط آلاف الأحرف من المحبرة، وتغادر المكتبات كتب أخذت مكانها على أرففها قبل أن تطبع. وحين يغيب شاب تتأهب المقابر لزفاف كان موعده بعيداً عنها، لكنه دخلها.

هكذا كان غياب الشاعر الشاب أكرم الأمير في الأسبوع الماضي بعد مرض استمر طويلاً، وأمل كان يكبر كل يوم، بأنه سيصبح على ما يرام، ويقوم من سريره ليشارك زملاءه ما كانوا يفعلونه، حين يزورون المقاهي، ويعتلون منصة مهرجان المربد الشعري، ويلقون شعرهم فيما بينهم، ويكتبون نصوصهم وأحلامهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

كان الموت مراً وقاسياً، كعادته، لكنه هذه المرة بدا أبشع حين أخذ معه صوتاً شعرياً كان من الممكن أن يكون علامة فارقة خلال زمن قصير قادم.

أخذ شاعراً، لم يصدر إلا كتاباً واحداً، لكنه كان مختلفاً في تكثيفه وقبضه على الصورة الشعرية الأخاذة الصادمة.

عرفته من خلال مهرجان المربد الشعري في بصرة الخير، وكيف لا تكون خيراً، وقد عرفتنا بشعراء سبقوا زمنهم بإبداعهم، وخطوا طريقاً مزيناً بالتميز لأرواحهم.

كان هادئاً، مختلفاً، مميزاً في التقاطاته الشعرية، وروحه الشاعرة.

بابتسامته يحيّي الجميع، وبحرفه يأسر الذائقة، فيدخل دائرة الضوء من دون أن يسعى إليها، كما يحاول كثيرون لا يمكنهم ولوجها، مهما فعلوا.

ها هو اليوم يتخلى عن الهواء، لأنه قال ذات نص: «لأنهم عديمو الإرادة، الأرضيون مدمنون على الهواء».

وها هو ظله يصير ضوءاً، بعد أن تنبأ بذلك حين وجد الظلام من حوله يستشري.

ها هو يترجل، كطير يفضل المشي، أو كشاعر لا ينتظر من الحياة سوى انتشار بياضها.

يرحل ليؤكد أن هذا الموت ذو ذائقة عظيمة حين يختار من يأخذ. يرحل ليترك غصة في قلوب أهله ومحبيه وقرائه الذين كانوا ينتظرون مجموعته الشعرية القادمة بكل شغف.

sawsanon@gmail.com