العتب على قدر المحبة

17-01-2019

يوسف أبو لوز

خسارة أن تفقد شاعراً، وخسارة ثانية أن ينسحب شاعر إلى الظل أو إلى مكان آخر يُسمّى الهامش، والهامش له أكثر من إحالة.. إنه يحيل إلى الانسحاب، والعزلة، والتشرنق - من شرنقة - وأسوأ من ذلك يُحيل الهامش إلى النفي والإلغاء بل.. التوقف عن تنفس هواء الحياة.

في مهرجان الشعر العربي تتجدّد دماء الشعراء بأصدقائهم القدامى والجدد، ولكن دائماً هناك سؤال يتردد:.. أين اختفى الشاعر؟.. والشاعر (هذه) تتحول من اسم إلى زمن، وتتحوّل إلى علامة استفهام في حجم دائرة من الوحشة والغياب.

ببساطة، نتحدث عن انسحاب عدد من الشعراء الإماراتيين إلى منطقة مغلقة على ذواتهم، وكان هذا (العدد) جيلاً نشطاً في الثمانينات شعراً وكتابة وحيوية ثقافية، وامتدت هذه الحيوية إلى أواخر التسعينات لتتوقف تلك العجلة التي كانت لا تكف عن الدوران، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الشاعر عارف الخاجة، شاعر الصوت النقيّ واللغة النظيفة والموقف الأدبي النظيف أيضاً.

نأخذ عارف الخاجة مثلاً لأنه اسم علم في جيله وفي مرحلته، ونأخذه مثالاً احتراماً لتجربته الشعرية الأصيلة، وحرفيّته الكتابية في العمود وفي التفعيلي، إلى جانب دوره المعروف والمحترم في الصحافة الثقافية الإماراتية في الثمانينات عندما فتح في النصف الأول من ذلك العقد حواراً جدلياً بين الشعراء بشكل خاص عند إثارته قضايا جديدة، أو قضايا قديمة جديدة تتصل بالقصيدة العربية في تحوّلاتها آنذاك.

انسحب عارف الخاجة من المشهد الثقافي اليوم، لكن اسمه لم ينسحب من الذاكرة الثقافية الإماراتية، وكذلك، انسحب آخرون ليس على مستوى الشعر، بل وأيضاً على مستوى القصة القصيرة التي شهدت في الثمانينات صعوداً لافتاً بأقلام لها اعتباريتها الأدبية في الإمارات: سلمى مطر سيف التي اختفت تماماً من الساحة الثقافية، ومريم جمعة فرج التي (التهمت) الصحافة الكثير من ثمارها الأدبية، وإبراهيم مبارك الذي تلكأ طويلاً في إصدار عنوان قصصي جديد، وناصر الظاهري الذي (التهمته) الصحافة أيضاً.. وغيرهم وغيرهم من شعراء وشاعرات وقاصّين وقاصّات.

لا ندري إنْ كان هؤلاء المنسحبون أو الهامشيون أو (أصحاب الظل) يكتبون في عزلاتهم هذه ويخبئون ما يكتبون نفوراً من النشر وآليّاته ومتطلّباته، أم أنهم انسحبوا إلى النهاية تماماً، مع أن الإمارات تشهد حيوية ثقافية على نطاق واسع في العقدين الأخيرين حتى باتت بحق وجدارة مركزاً ثقافياً استقطابياً عربياً وعالمياً.. وبشهادة الكثير من المراقبين الثقافيين والإعلاميين المتخصصين.

نكتب من باب الأمل.. لا من باب النقد أو الانتقاد.. والأمل دائماً مثل العتب.. والعتب على قدر المحبة.

yabolouz@gmail.com