ماي تقاتل رغم الهزيمة

17-01-2019
فيصل عابدون

كان تصويت مجلس النواب البريطاني حول اتفاق البريكست، درساً جديداً في الحياة الديمقراطية والممارسة الراشدة للسلطة، شديدة الإثارة وغنية بالعبر والدروس.
بدأت تحركات رئيسة الوزراء تيريزا ماي الشخصية المحورية الأهم في الصراع المحموم، الذي نقلت وقائعه وسائل الإعلام الدولية على الهواء مباشرة صباح الثلاثاء الحاسم، عملها باجتماع مع الحكومة في عشرة داوننج ستريت، قبل أن تتحدث في البرلمان لحث النواب على دعم الوثيقة المطروحة للتصويت.
وعلى الرغم من أن شبح الهزيمة وأصداءها كانت تهيمن على أجواء الجلسة التاريخية وتلقي بظلالها، ولا شك على تلك المرأة النحيفة المقاتلة، إلا أنها لم تعتبر أن القضية شخصية. لم تفقد أعصابها وسط هذه الأجواء المحمومة ولم تبدأ في الصراخ الهستيري وكيل الشتائم والاتهامات. لقد كانت تقف على قدميها مع اثنين مع قيادات حزبها في المكان الذي تقضي تقاليد البرلمان وقوفهم في وسط الصالة وفي مواجهة منصة الرئاسة.
وفي خضم أجواء عدائية بشكل غير مسبوق ومتوترة وساخرة، كانت ماي تتحلّى بالقدر اللازم من الكياسة واللباقة حتى في تحركاتها في تلك المساحة الصغيرة المخصصة لوقوفها مع قياديّي حزبها الآخرين. وفي الواقع لقد كان المشهد بأكمله رائعاً وملهماً ومثيراً للدهشة، ويبعث على الاحترام.
لا شك أن تيريزا ماي زعيمة سياسية فريدة ومن نوع خاص، لقد تفوّقت هذه السيدة في امتحان الديمقراطية وأثبتت التزامها ليس فقط في الثبات على المبدأ، ولكن أيضاً إكساب صورة الممارسة الديمقراطية جاذبية وبهاء نادرين لم ينجح كثير من قادة بريطانيا في تحقيقهما إلا القلة القليلة منهم. وهؤلاء يحفظ لهم التاريخ مكانهم بين القادة العظماء.
لقد كانت قضية البريكست عبئاً على رئاسة تيريزا ماي للحكومة وتحمّلته بصبر، وعملت عليه بجهد، وكان الاتفاق الذي توصلت إليه لخروج آمن لشعبها من تعقيدات إنهاء عضويته في الاتحاد الأوروبي يشكل في حد ذاته إنجازاً مميزاً، لكن ممثلي الشعب البريطاني رفضوا هذا الإنجاز في تصويت الثلاثاء الذي اعتبر نكسة تاريخية، واعتبره زعيم المعارضة جيرمي كوربن كارثة لتيريزا ماي، وسعى لإنهاء مستقبلها السياسي عبر اقتراح سحب الثقة عن حكومتها.
لكن ماي تقبّلت النتائج بهدوء ورحابة صدر. قالت مباشرة بعد إعلان النتائج: «إن المجلس قال كلمته والحكومة ستمتثل». وأعلنت موافقتها على مناقشة اقتراح سحب الثقة عن حكومتها، وقالت: إنها إذا ما فازت في التصويت على الثقة، فستلتقي بزعماء أحزاب المعارضة «بروح بنّاءة» لمناقشة سبل المضي قدماً.
وبعد هذه الجولة العنيفة من التطبيق الديمقراطي، سيتعيّن على ماي العمل بموجب التعديل الذي أقرّه البرلمان في التاسع من يناير، والذي يجبر الحكومة على تقديم خطة بديلة خلال ثلاثة أيام في حال رفض البرلمان الاتفاق المطروح. وهي أعلنت عزمها تقديم خطتها المستقبلية يوم الاثنين المقبل، لكن ذلك يتوقّف على إفلاتها من تصويت على حجب الثقة.

Shiraz982003@yahoo.com