المغامرات تستنزف أموال أمريكا

17-01-2019
دوج باندو *

على مدى زمن طويل، كانت الولايات المتحدة غنية جداً، إلى درجة أنها بددت موارد مالية هائلة. ولكن تلك الأيام انتهت الآن.
في الواقع، فإن الولايات المتحدة أصبحت اليوم مفلسة، في حين لديها التزامات وديون هائلة. وتدل المؤشرات على أن مستقبلها المالي سوف يزداد سوءاً.
والحكومة الأمريكية ليست لديها أي مهمة أكثر أهمية من الدفاع عن الأمة الأمريكية. غير أن ضمان هذا الدفاع أمر سهل. إذ إن الولايات المتحدة محمية أصلاً، بمحيطين شاسعين في شرقها وغربها، في حين لديها جيران مسالمون في شمالها، وجنوبها .
واليوم، روسيا هي القوة الوحيدة القادرة على شن هجوم خطير على الولايات المتحدة، حيث إنها تملك ترسانة ضخمة من صواريخ نووية. غير أن موسكو ليست لديها أي دافع لأن تفعل ذلك، لأنها معرضة لهجوم مضاد انتقامي مدمر.
وفي ما يتعلق بالصين، فهي تعزز جيشها، ولكن فقط بهدف منع الولايات المتحدة من تطويقها عسكرياً، وجعلها عرضة لهجوم مدمر.
وتواجه الولايات المتحدة أيضاً العديد من المنظمات الإرهابية، والأفراد الإرهابيين، ولكن ذلك نتيجة لسياساتها الخرقاء التي تثير عداوات لها. وقوات أمريكا العسكرية التقليدية وقواتها النووية لا يمكنها أن تكون الرد المناسب على الإرهاب.
وفي الواقع، فإن الحل الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تقلل اعتمادها على القوة العسكرية عبر العالم، خصوصاً في الشرق الأوسط .
وفي العام المالي 2019، سوف تنفق الولايات المتحدة 717 مليار دولار على تمويل جيوشها الضخمة، وأساطيلها البحرية والجوية المنتشرة عبر العالم.
وهذا الإنفاق ليس مخصصاً للدفاع عن أمريكا، وإنما لحماية حلفائها، وتأكيد نفوذها العالمي، وإعادة بناء دول فاشلة، وإملاء شروط على أعداء، وكثير غير ذلك.
وكل ذلك يحقق مكاسب، ولكن ليس بقدر ما يؤكده المسؤولون الحكوميون. كما أن هذا الإنفاق العسكري الضخم عبر العالم لا صلة له بالدفاع عن أراضي أمريكا ذاتها، وعن شعبها، ونظامها الدستوري، وازدهارها.
ولسوء حظ أمريكا، فإن تبني سياسات هجومية هو أمر مكلف أكثر بكثير من اعتماد سياسة ردع. ومعظم إنفاق «البنتاجون»، (وزارة الدفاع)، مخصص لتمويل القوة العالمية الأمريكية، ولهذا السبب تعتمد أمريكا ميزانية عسكرية تفوق بكثير احتياجاتها الدفاعية، وتعادل مجموع الميزانيات الدفاعية للدول العشر، أو الاثنتي عشرة التالية الأكثر إنفاقاً على جيوشها. وأي من هذه الدول، أو أي تحالف بين عدد منها، لا يمكنه أن يلحق هزيمة بأمريكا. بل إن العكس هو الواقع، حيث إن الولايات المتحدة تريد امتلاك القدرات العسكرية التي تمكنها من مهاجمتها جميعاً إذا اقتضت الضرورة.
إن ما تسمى ميزانية «الدفاع» هي ثمن السياسة الخارجية الهجومية التي تتبناها الولايات المتحدة. والاضطلاع بدور الشرطي العالمي ليس رخيصاً.
وإذا كانت أمريكا وجدت في الماضي أنها غنية بما يكفي لتمكينها من تبديد موارد مالية ضخمة على مغامرات عسكرية، إلا أن تلك الأيام قد ولت الآن. إذ إن الولايات المتحدة مفلسة عملياً، حيث لديها التزامات مالية، وديون ضخمة، الى درجة أنها عاجزة اليوم عن توفير الأموال اللازمة لها. وحسب المؤشرات الحالية، فإن مستقبلها المالي لا يمكن إلا أن يزداد سوءاً.
والمثال الأفضل على سوء مالية أمريكا هو أن الحزب الجمهوري - الذي كان يعتبر نفسه في الماضي أمين الخزانة - استغل أكثريته في الكونجرس العام الماضي من أجل زيادة الإنفاق الحكومي، وتخفيض الضرائب في آن واحد. وكانت النتيجة عجزاً مالياً بحدود 779 مليار دولار، بزيادة 114 ملياراً عن عجز السنة المالية السابقة.

* كبير باحثين في معهد «كاتو» للدراسات في واشنطن - موقع «إنفورميشن كليرينج هاوس»