تونس.. ثماني سنوات من الانتظار

17-01-2019
كمال بالهادي

أحيت تونس يوم الاثنين الماضي الرابع عشر من يناير، الذكرى الثامنة لإسقاط نظام زين العابدين بن علي، والذي كان فاتحة أحداث ما زالت حلقات مسلسلها تدور إلى الآن في دول عربيّة. ولكنّ الثابت أنّ مراجعات عديدة هي الآن بصدد الدرس من قبل الباحثين لفهم ما جرى، خاصّة أنّ طموحات الشعب التونسي كانت أكبر بكثير ممّا تحقق إلى حدّ الآن.
العنوان الأبرز الذي يتّفق عليه التونسيون، هو أنّ الجميع بصدد انتظار التغيير الذي خرجوا من أجله للشوارع وانتفضوا ضدّ نظام حكم كان قائماً، يقول أغلب المتابعين للشأن السياسي التونسي: إنّ رأس النظام هو فقط من أطيح به، وإنّ هيكل النظام الاقتصادي والإداري ما زال قائماً، وهو في يدي دفة الدولة بوجوه جديدة، ولذلك لم يتحقق التغيير الذي كان التونسيون يطمحون إليه.
يتفق كبار المفكرين على أنّ الديمقراطية لا يمكن أن تنجح في وسط تكون فيه البطون جائعة والأمعاء خاوية. ولذلك فإنّ المنجز السياسي التونسي ( وهو الوحيد من جملة الاستحقاقات التي نادى بها الشباب التونسي في 2011)، الذي يمثّل إلى حد الآن استثناء في ما سمي دول الربيع العربي، فإنّه يبدو معرّضاً أكثر من أيّ وقت مضى، إلى التراجع عنه، ذلك أن كثيراً من التونسيين باتوا يسألون عما ربحوه من الثورة ومن الديمقراطية ومن هذه الطبقة السياسية الجديدة التي يبدو أنها لا تختلف كثيراً عن «الطرابلسية القديمة» ( نسبة إلى عائلة الرئيس السابق التي استحوذت على مقدرات الاقتصاد التونسي، والتي قدّرت أملاكها بقرابة 10 مليارات دولار، في دولة لم تكن ميزانيتها تتجاوز 12 مليار دينار تونسي في 2011). وعليه فإنه لا غرابة أن ترتفع الأصوات في كل التظاهرات الاحتجاجية في السنوات الأخيرة قائلة: «الشعب فد فد من الطرابلسية الجدد»، وما معناه أن الطبقة السياسية الجديدة، باتت محل تذمر كبير من الشعب التونسي، وهو ما تعكسه استطلاعات الرأي التي تقول: إنّ نسب التشاؤم لدى التونسيين قد بلغت مستويات قياسية، حيث تجاوزت الثمانين في المئة.
ووسط هذا «النفور» من العملية السياسية وتحكم الشيوخ بها وإبعاد الكفاءات التونسية عن الشأن العام، حيث تم تقدير هجرة أكثر من 95 ألف كفاءة علمية تونسية خلال السنوات الماضية، تبرز تحديات أكثر خطورة.
فعلى المستوى القضائي يدور الحديث عن محاولات للسيطرة على هذا المرفق العام، من قبل الأحزاب السياسية وتوجيهه الوجهة التي تريدها تلك الأحزاب. وقد أثارت مسألة الاغتيالات السياسية التي وقعت في العام 2013، الكثير من النقد من قبل المتابعين للشأن التونسي، حيث كشفت هيئة الدفاع عن الشهيدين محمد البراهمي وشكري بلعيد، عن وجود جهاز سري لحركة النهضة الحاكمة، واتهمت القضاء بأنه يتلاعب بملفات قضية الاغتيالات السياسية.
الشعب التونسي ينظر بكثير من الاستغراب للطبقة السياسية التونسية، التي تضع مصالحها الخاصة، قبل المصلحة الوطنية العليا، خاصة في ظروف اقتصادية واجتماعية خانقة، تميزت بشلل يكاد يكون تاماً في قطاعات حساسة مثل التعليم الثانوي والتعليم العالي، بإضراب عام لموظفي القطاع العمومي، وتردّ اقتصادي واضح، تميّز بارتفاع نسبة الدين العام إلى حدود 90 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وبانهيار غير مسبوق للعملة التونسية، الدينار، التي باتت ضعيفة جداً أمام عملتي اليورو والدولار، وهما العملتان الأكثر استعمالاً في التجارة الخارجية التونسية.
الصورة العامة للثورة التونسية، وهي تدخل عامها التاسع، يمكن اختزالها في حالة انتظار عامة، لطموحات قد تأتي وقد يذهب أغلبها سدى. فالعاطلون عن العمل الذين يقدر عددهم بنحو 700 ألف، ما زالوا ينتظرون فرص إدماجهم في القطاع الخاص أو في فرص بعث المشاريع، بعد أن أغلقت الحكومة أبواب التوظيف في الإدارات العامة، بأمر مباشر من صندوق النقد الدولي.
هناك من يقول إن الاستثناء التونسي قد دخل هو أيضاً في قائمة «ثورة الخيبات» التي عصفت بدول عربية أخرى، ولكن هناك من يقول إنّ الوضع الحالي هو طبيعي، لأن إسقاط رأس النظام لا يعني بالضرورة تفكيك أسسه وآلياته، وهؤلاء يعتبرون أن مطالب الثورة ما زالت قائمة، وأن الخطوة السياسية التي تم قطعها هي خطوة إيجابية، بالرغم من كل الشوائب التي رافقتها. ولكن هل سيستطيع الشعب المفقّر والذي بات يعاني الويلات من أجل الحصول على موادّ أساسية، ويكابد غلاء المعيشة، الانتظار أكثر؟
belhedi18@gmail.com