«الكلمات المتقاطعة» في استباحة الضفة

17-01-2019
عوني صادق

منذ مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتحديداً بعد تنفيذ الشهيد أشرف نعالوة، عملية (برقان) في المنطقة الصناعية، التي قتل فيها مستوطنان، وأصيب ثالث بجراح خطيرة، دخلت الضفة الغربية، ولا تزال، خصوصا منطقة رام الله، في حالة يصدق القول فيها إنها «استباحة» كاملة اشتملت على المداهمات، والترويع، والاعتقالات، والقتل. ووصل الهوس الصهيوني ذروته بعد عمليتي الشهيد صالح البرغوثي في مستوطنة (عوفرا)، وعملية (جفعات آساف) التي حاولت سلطات الاحتلال إلصاقها بالأسير عاصم البرغوثي الذي ألقي القبض عليه مؤخراً، ثم إغلاق المسجد الأقصى، واعتقال عدد من حراسه بعد منع المصلين من دخوله. ولم تنج السلطة الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس، ومقارها الرسمية من الاتهامات، والاقتحامات، والتخريب، ما جعل ما يجري في الضفة الغربية نوعاً من لعبة «الكلمات المتقاطعة» تصعب على الفهم. ترافق ذلك مع فشل واندحار وحدة «القوات الخاصة» في عمليتها الاستخبارية في خان يونس.
عمليات المقاومة الفلسطينية في الأشهر الثلاثة الماضية، وردود الفعل «الإسرائيلية» عليها، أربكت الساحة «الإسرائيلية»، وضيعت المعلقين السياسيين فيها. ففي الوقت الذي رأى البعض منهم أن «الجيش «الإسرائيلي» فشل» في القيام بمهامه، وأظهر»انعدام مهنية القوات التي لم تظهر ما يكفي من الخبرة والانضباط، إلى جانب ما يبدو كمواضع خلل في مستوى القيادة الدنيا في الميدان» (أليكس فيكشمان- يديعوت أحرونوت 16/12/2018)، كان هناك من رأى من خلال نتائج هذه العمليات أن الجيش «الإسرائيلي» فقد «عنصر الردع»، معيداً السبب إلى التخلي عن «نظرية الأمن» منذ حملة (سلامة الجليل- 1982)، وهو ما يستوجب في ظنهم العودة إلى تلك النظرية التي وضعها دافيد بن جوريون، أول رئيس لوزراء «إسرائيل».
وبينما أكثر ما تخشاه القيادات الأمنية «الإسرائيلية» اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، وترى أن التعاون و»التنسيق الأمني» بينها وبين نظيرتها الفلسطينية نجح في منع اندلاع هذه الانتفاضة، سمعنا أصواتاً تتهم الرئيس محمود عباس بالمسؤولية عن وقوع العمليات الفدائية، و»التحريض»، و»احتضان المخربين»، بينما تشيد القيادات الأمنية «الإسرائيلية» بثبات «التنسيق وضرورة الحفاظ عليه وتعزيزه»، (يديعوت أحرونوت- 12/11/2018). وقد أظهر تقرير وضعته «لجنة أهالي المعتقلين لشهر أكتوبر/ تشرين الثاني 2018» أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية نفذت (251) انتهاكاً، اشتملت على (64) اعتقالاً سياسياً، و(51) استدعاء، و(92) احتجازاً، واعتداءات وأنواع أخرى، فضلاً عن مصادرة ممتلكات ومحاكمات تعسفية». وتصدر مشهد هذه الانتهاكات جهاز الأمن الوقائي، ثم المخابرات العامة، وأجهزة أخرى (وكالة القدس الإخبارية).
هذه «الفوضى» في التقديرات «الإسرائيلية»، تشير من طرف خفي حيناً، وصريح أحياناً، إلى خيط رفيع يربطها يتمثل في «استراتيجية نتنياهو» وتعامله مع «الوضع الفلسطيني». وهناك اتفاق بين معظم المحللين «الإسرائيليين» على أن هذه الاستراتيجية تقوم على قاعدة «المحافظة على الوضع القائم»، وسياسة نتنياهو مع رام الله وغزة تؤكد وجود هذه القاعدة. ويرى بن كسبيت في (معاريف- 14/12/2018) أن نتنياهو في تعامله مع (حماس) يقويها ويضعف محمود عباس والسلطة، ويقول عنه: «وهو يستمتع بالمظهر الزائف كوزير للأمن، يحصد ما زرع طيلة سنوات حكمه، فهو يسمع قائد الجيش ورئيس الاستخبارات، ولا يفعل شيئاً، وهو ما يفعله دائماً». ويجمل تحليله بالقول: «هدف نتنياهو هو تخليد الوضع القائم: حكم فتح ضعيف في رام الله، وحكم حماس ضعيف في غزة، وتنمية العداء بينهما. المهم عدم الحسم، وعدم هز السفينة، وعدم العودة إلى المفاوضات بأي حال».
والخلاصة، أن ما يجري في رام الله، والضفة عموماً، وما يجري في غزة، على الجانبين «الإسرائيلي» والفلسطيني، سياسة ينفذها نتنياهو تديم «الوضع الراهن»، وتحقق برنامجه، وترضي حلفاءه المتطرفين، في ظروف معركته الانتخابية. وهي سياسة تظهر الاستطلاعات أنها تبقي «الليكود» وحلفاءه في اليمين واليمين المتطرف في المقدمة، وتنفي وجود منافس حقيقي لنتنياهو على رئاسة الوزراء. وخلاصة الخلاصة: الطريق إلى انتفاضة ثالثة غير سالكة، طالما «استراتيجية نتنياهو» فاعلة، وطالما «التنسيق الأمني» مستمر.

awni.sadiq@hotmail.com