هات الإبداع أيها المبدع

16-01-2019
عبداللطيف الزبيدي

هل من دروب وفضاءات جديدة للشعر؟ عندما يكون الشعر حامل راية الإبداع، مفتقراً إلى الإبداع موسيقياً ومضمونياً، فتلك هي الطامة الكبرى. لا يوجد فن يحمل في حروفه معنى الإبداع غير الشعر، فكلمة «شعر» في اليونانية (بويزيا) تعني الإبداع. وظيفة الشعر إذن، هي أن يكون إبداعاً، فإن لم يكن فليس بشعر.
موسيقياً، منذ ظهور شعر التفعيلة المتحرر من العمود الكلاسيكي (بالمناسبة: الأصدق هو أن يسمى الشعر العمودي: شعر التوأمين، «التوين»)، من غير اللائق أن نفخر بهذه «التنزيلات» الموسيقية في تاريخ الشعر العربي، تنازلات إيقاعية. كانت الأوزان ستة عشر، فصارت ستة من ذوات التفعيلة الواحدة: الرجز، الهزج، الكامل، الرمل، المتقارب، الخبب.
لا معنى ولا ذوق ولا إبداع في هذا الاقتصاد الإيقاعي. حدث هذا الفقر الذوقي الفكري الفلسفي في الموسيقى العربية التي باتت تتلخص في الأغنية. الأشكال والأجناس في التأليف الموسيقي لا تحصى، والهبوط يُوهمنا بأنه عبقري زمانه بأغاني«الهشك البشك»، مسكين مسكين. يقول المولوي: «جال العطار مدن العشق السبع.. نحن لا نزال في منعطف هذا الزقاق» (يقصد فريد الدين العطار).
قليلاً من النخوة السيكولوجية، لا أكثر. ذلك الشاعر الجاهلي؛ بل أولئك الجاهليون البعيدون، الذين لا نعرف حتى من هم، أبدعوا ستة عشر إيقاعاً شعرياً موحد التفعيلة، مركّباً من تفعيلتين أو أكثر، ولم يدخلوا معهداً موسيقياً ولا يعلمون رياضيات الإيقاع، فكيف استطاع شعراء عرب في القرن العشرين وما بعده، أن يدّعوا أن التصحر الذي ضرب موسيقى شعرنا تجديد، وجاء من وجّه إلى الإيقاع الضربة القاضية بدعاوى الحداثة وما بعد الحداثة.
تعاسة، لو حضروا درساً يتيماً في ما هو الإيقاع وما هي الموسيقى، لما تفوّهوا بهذا الهراء الذي لا يقبله علم موسيقي ولا رياضيات إيقاعية. على الشعراء العرب أن يُعيدوا الاعتبار الإيقاعي للشعر، أن يُبدعوا إيقاعات جديدة. لم يقل عارف بالموسيقى، إن الإيقاع الشعري جاهلي أو لا يكون. هات إبداعك أيها المبدع.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفيزيائية: حاول تصور الكون بلا إيقاع. كل البنيان ينهدم، من الذرة إلى المجرة، أيها الشاعر.

abuzzabaed@gmail.com