معركة بشروط ديمقراطية

16-01-2019
مفتاح شعيب

يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، احتواء احتجاجات «السترات الصفراء»، عبر الحوار الوطني الكبيرلإنقاذ ولايته الرئاسية واستعادة شعبيته المتدهورة، لكنها محاولة تواجهها عقبات عدة بالنظر إلى حالة الاستياء العام وتحرك الأحزاب السياسية المناوئة لإحباط الحوار وإسقاط نتائجه المتوقعة.
الحوار المعلن أقرب إلى الاستفتاء المصغر، وسيتم بموجبه الاستماع إلى آراء مئات المسؤولين في مختلف القطاعات، وسيتحتم على ماكرون بذل جهود كبيرة لإقناع الذين لا يرون أي جدوى من بحث مسائل، باتت محل رفض قطاع واسع من الشعب. وتعود صعوبة المهمة إلى أن المنتقدين لسياسة الأليزيه لا يقتصرون على أنصار حركة «السترات الصفراء»، بل الكثير من أنصار الرئيس نفسه، فضلاً عن المتطرفين في اليمين واليسار، خصوصاً في ما يتعلق بنقطتي القدرة الشرائية والضرائب. وفي رسالة الدعوة إلى الحوار، جدد ماكرون التزامه بأسس برنامجه الإصلاحي، متعهداً بالدفاع عنه، في الوقت الذي يطالب المعارضون بإلغائه أو تعديله على الأقل، لا سيما ما يتعلق ب «الضريبة على الثروة»، بينما ظل الناطقون باسم «السترات الصفراء» على موقفهم المتصلب، وبدل الرد الإيجابي توعدوا بتصعيد التظاهرات.
النقاش المفتوح، من المقرر أن يستمر ثلاثة أشهر حتى منتصف مارس المقبل، وهي مدة زمنية ربما تمنح ماكرون وحكومته فرصة لإضعاف الاحتجاجات؛ بحجة عدم مشروعيتها في ظل الحوار الجاري، وإذا نجح في هذا الأمر فبإمكانه أن يستعيد روح التواصل الإيجابي مع شعبه التي أطلقها عام 2016 عبر حركة «إلى الأمام» وأدار بها حملته الانتخابية وفوزه الساحق على اليمينية المتطرفة مارين لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. ولكن حال فرنسا اليوم ليس كما هو قبل عامين، فالأزمة ليست اجتماعية واقتصادية، بل هي سياسية بامتياز، بعدما تم استقطاب حركة «السترات الصفراء» من طرف أحزاب يمينية ويسارية وحتى وسطية. ومن خلف المشهد قفزت اليمينية لوبان من جديد في سعيها للفوز بانتخابات البرلمان الأوروبي الصيف المقبل، وحرّضت على تصعيد الاحتجاجات في مسعى للثأر من هزيمتها أمام ماكرون. وإلى جانب اليمينية المتطرفة، يقف اليساري المتشدد جان لوك ميلونشون الذي يؤيد الاحتجاجات بقوة، لكن لأهداف مختلفة.
واقع الحال يؤكد أن فرنسا في معركة سياسية قاسية متعددة الأقطاب، وتتقاطع فيها الأجندات السياسية والمطالب الاجتماعية، لكن الأمر المطمئن أنها تجري تحت سقف الديمقراطية ووفق شروطها. ومن الممكن أن تتجه الأمور بعد ثلاثة أشهر إلى إجراء استفتاء عام على سياسة ماكرون، وآنذاك سيكون أمام خيار صعب، لأن النتيجة قد تكون خروجه من المشهد السياسي مبكراً، أما إذا ابتسم له الحظ فسيكون جزاؤه ولاية رئاسية ثانية على الأرجح، وليس إنقاذ ولايته الأولى فقط.

chouaibmeftah@gmail.com