الشعر وذاكرة الأمة

15-01-2019

محمدو لحبيب

سبعة عشر عاماً من تتبع خطوات الشعر العربي، واحتضانه في منتدى ثابت على أرض الشارقة، ليس بالأمر الهين قطعاً، وليس بالترف الفكري الذي يمكن اختزاله في معاني الاحتفالية، أو الاحتفائية.

في الدورة السابقة في العام المنصرم لمهرجان الشعر العربي وأثناء حوار مع أحد ضيوف المهرجان من الشعراء، سألته كيف يمكن أن يضيف المهرجان إلى المحاولات الرامية إلى حماية الشعر العربي من تداعيات العولمة الثقافية، وظهور أنماط أخرى لا تتميز بنفس الأصالة التي يتميز بها القريض في ثقافة العرب، أجابني الشاعر بلغة مكثفة ذات دلالات رمزية عميقة فقال ما معناه: لو أن في كل بلد عربي شارقة لغدت الثقافة العربية الأفضل والأكثر انتشاراً في العالم كله.

قررت الشارقة عبر رؤيتها التي تشمل جوانب الثقافة المختلفة، أن تعطي هذا الزخم المتواصل للشعر العربي، الذي لا يتأثر بمرور السنوات والأيام، لا تمل ولا تكل من مواصلة وتجديد الاحتفاء بالشعر وبكل أنماطه حتى التي دخلت على طريق ما يعرف بالحداثة ومعاييرها التي تختلف مع الموروث في الشكل والمبنى.

هنا يطرح السؤال التالي: ما الدافع الذي يمكن أن يؤدي إلى تجديد العهد كل سنة مع رعاية الشعر العربي وشعرائه الأفذاذ؟ هل يعود الأمر إلى أن الشعر كنمط أدبي هو وحده الأكثر تماهياً مع معنى الثقافة العربية؟

«الثقافة العربية»، تعبير يدل على خصوصية ما للثقافة كتجل من تجليات الممارسات الإنسانية، عن طريق ربطها باللغة العربية وبكل ما يمثل العرب.

ذلك الربط يستدعي قطعاً البحث معرفياً عن أنماط الثقافة التي نشأت عند العرب ولم تأتهم من الآخر، وليست تطويراً لثقافاته، وتحديد المكونات التي تميز تلك الثقافة، ولا يماري اثنان أن الشعر أهم مكون في تلك الثقافة، ولا يوجد عربي إلا وهو يردد تلقائياً عند ذكر مفردة الشعر: إنه ديوان العرب.

من هنا قد يبدو اهتمام الشارقة بالشعر كنوع من السعي للمحافظة على الذاكرة الجمعية الثقافية للعرب، وتوطيداً لصلة الماضي التليد بالحاضر والمستقبل الذي نأمل جميعاً أن يكون زاهراً ومشرقاً.

وحين نعرف أن الشاعر العربي الآن يكاد يكون ذلك الشخص الذي تضطره إكراهات الحياة إلى البحث عن مسمى مهني آخر غير مهنة الشاعر، فلا وجود لتلك المهنة في معظم مسمياتنا الوظيفية، لذلك فهو سيضطر إلى كتابة الشعر فقط في أوقات فراغه من رحلة البحث عن ضرورات الحياة.

سنعلم عندئذ أن الاحتفاء بذلك الشعر والشاعر في مهرجان مستمر ومتطور، بمثابة إهداء وردة لكل الشعراء في العالم العربي، وجعلهم يحسون بأن كتابتهم للشعر ممكنة، وأن الشارقة ستحتفي بهم دائماً، وأن عليهم فقط أن يكتبوا برغم كل شيء.