دوّامة الجدل في الالتزام

15-01-2019
عبداللطيف الزبيدي

هل يقتل الالتزام الشعر؟ أغلب الظن أنه لم يكن لكائن أن يلوم أديباً أو فناناً على الالتزام، لو لم يكن في صفحات التاريخ العهد الستاليني. حقبة صار الالتزام فيها فرضاً. ما هو نهج ذاتي، لا يعدّ التزاماً بالسلبيّة التي اكتساها المصطلح.
في مهرجان الشارقة للشعر العربي، لا شك في أن الالتزام تطرحه الأذهان، إن لم يتناوله الحاضرون. نحن في زمن عربي لا يتكرر في التاريخ، فالأمّة على كفّ عفريت. حين تفتقر السبّابة إلى زناد من العيار الثقيل، تتعاون مع الإبهام والوسطى على إثارة الغيرة الالتزامية في الأقلام. عندما تتهاوى على الأمّة القنابل، لا تتوقع الشعوب من شعرائها التغني بالبلابل والسنابل. لك إذاً أن تسأل: هل الالتزام تفرضه الظروف في الشدائد؟ الذين يرون الالتزام تحقيراً للفن، بتحويله إلى وظيفة مرحلية آنية، كيف يجيبون عن السؤال: ما رأيك في فنان عبقريّ، شاعر حساس مرهف الإحساس، لكنه لا تحرك ساكناً لديه أمّته التي يسومونها الخَسف والهوان، وهو ثمل بالفن للفن، ضارب بالمحن، جدار الزمن؟
بواقعية، المسألة أيسر هضماً في شأن الإعلام الموجّه؛ لأنه لا يوجد ناقد عادل يطالب الإعلام بأن يكون إبداعاً لا تسقط ثمراته من شجرة الفن على مرّ الزمان: «يزيدك وجهه حُسْناً..إذا ما زدته نظرَا». أمّا الآثار الفنية، فاسألها عمّن أسماها آثاراً؟ هل تكون المسلوقات آثاراً؟ الفن حدّد مواصفاته المتنبي: «وتركك في الدنيا دويّاً كأنما..تداول سمعَ المرء أنملهُ العشرُ». وقال عنه جلال الدين الرومي: «صهٍ، إلى متى أئن؟ فحتى مئة قرن، سيظل هذا العالم، يدور على آهاتي، ويلفّ على حسراتي». مرّ من المئة ثمانية قرون، بقيت في الحساب 9200 سنة. كيف حسبها؟ هذا هو المعنى المفقود للالتزام. بتحويل القولين إلى اثنين في واحد، مثل البلسم والشامبو: أعظم مستوى يرمي إليه الفن، هو أن تظل مئة قرن لها دويّ يجعلك تضع عشر أنامل في سمعك.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإبداعية: الأمّة التي فيها معجزات إبداع من هذا الطراز، لا تحتاج إلى طرح الالتزام.
abuzzabaed@gmail.com