روايات مرفوضة

15-01-2019

د. حسن مدن

تلقى ليو تولستوي رسالة رفض من ناشر أجنبي بعث إليه بمخطوطة روايته: «الحرب والسلام»؛ لأنها ببساطة لم ترق لهذا الناشر الذي اقترح على تولستوي إدخال تعديلات بدت فجة.

كتب الناشر ضمن ما كتب: «أعرف بأنك من روسيا، وأنك في غاية الشغف ببلادك وتاريخك، ولكن ما رأيك في استبدال روسيا في الكتاب بشيء أكثر شعبية؟ شيء يحصل في الولايات المتحدة، أرض الحلم والحرية، حيث المنتجون المحشوون بالعملة الخضراء سيتقاتلون لأجل فيلم يتناول روايتك؟». وختم الناشر رسالته بالقول: «فلتكن رؤيتك أوسع: هوليودود لا موسكوفا».

مواطن تولستوي، فيودور دويستوفسكي، تلقى هو الآخر ومن الناشر نفسه رفضاً قطعياً لنشر روايته: «الجريمة والعقاب»، وبطريقة خالية من التهذيب كتب له: «كتابك لا ينفع لشيء البتة». مضيفاً: «في محاولتك بأن تتحول إلى أجاثا كريستي، أقترح عليك دراسة هذا النوع الأدبي بشكل أعمق».

ليس كبار الكتاب الروس وحدهم من كتب إليهم الناشر رافضاً نشر أعمالهم، أو مُشترطاً إدخال تعديلات عليها. لقد اعترض أيضاً، على عنوان رواية «التحوّل» لفرانز كافكا؛ لأن نتائج البحث أفضت به إلى ملاحظة أن هناك عناوين مشابهة لكتب أخرى. ولم يسلم الكولومبي جابرييل ماركيز من حماقة هذا الناشر الذي رفض نشر أهم رواياته على الإطلاق، والتي حملت إليه جائزة نوبل: «مئة عام من العزلة».

كتب الناشر إلى ماركيز بكثير من العنجهية: «لو حذفت كل هذه الأشياء الغرائبية الخارقة للطبيعة التي تصل إلى حدود الصوفية، فإن كتابك سيكون عظيماً»، لكنه يستدرك: «أخشى ألا يبقى كتاب بعد هذا الحذف».

لم يسلم وليم شكسبير من رسالة مشابهة حول مخطوط مسرحيته «هاملت». بوضوح وصراحة شديدين كتب له الناشر وهو ينبئه برفض نشر المخطوطة: «سأتحامل على نفسي من أجل أن أكون دقيقاً قدر المستطاع: الموضوع بالنسبة إلينا غير قابل للنقاش».

أعلم أن الأمور قد اختلطت عليكم قرائي الأعزاء. أي ناشر هذا عابر للزمن يرفض مخطوطات كبار الكتاب في مراحل تفصل بينها قرون لا سنوات أو عقود! لا تصدقوا كل ما قيل. الناشر هذا شخصية افتراضية اخترعها صحفي إيطالي ساخر وظريف اسمه ريكاردو بوزي، تخيّله يكتب رسائل لمؤلفي أكثر الكتب عبقرية في التاريخ، فإضافة إلى من ذكرناهم، ترد أسماء سرفانتس، ومارسيل بروست، وفرجينيا وولف، وأرنست همنجواي، وجراهام جرين، وأكثر من مئة اسم آخر.

«عزيزي الكاتب» هو اسم الكتاب الذي حوى تلك الرسائل المفترضة التي يفضح صاحبها كيف يُحوّل النشر الأدب إلى سلعة تافهة، قابلة للتسويق السريع.

madanbahrain@gmail.com