طالبان واستحقاقات التفاوض

15-01-2019
فيصل عابدون

يتعيّن على قيادة حركة طالبان الأفغانية، التحلي بقدر أكبر من المرونة، ويقتضي ذلك بالضرورة تغييراً راديكالياً في مفاهيمها للسلطة والحكم، طالما أنها بدأت السير الجدّي في طريق المفاوضات لإنهاء الحرب الأهلية التي تعصف بهذا البلد منذ سنوات طويلة.
لقد أبدت كابول وواشنطن تجاوباً مع الموقف المتشدد للحركة، بالتفاوض المباشر مع الطرف الأمريكي من دون المرور بالحكومة الرسمية. وهي مرونة تهدف لتشجيع الحركة على الدخول إلى حلبة العمل السياسي ونقاشاته الشاقة للتوصل إلى حلول مقبولة. هذه الحلبة لم تجربها طالبان في تاريخها، وعليها أن تعي منذ البداية أن جوهر النقاشات هنا، هو قضية اقتسام السلطة مع الحكومة القائمة فعلاً وليس تسلم السلطة كاملة وأن الطرف الأمريكي هو مجرد ضامن وليس طرفاً أساسياً في العملية.
إن قضية تجاوز الحكومة الذي وضعته الحركة شرطاً لجلوسها على مائدة التفاوض، هو في حقيقة الأمر استدعاء لموقف الفصائل الأفغانية إبان التدخل السوفييتي، التي كانت تُصرّ على التفاوض مع الطرف صاحب القوة الفعلية على الأرض. وكان طرحاً صحيحاً من الناحية الاستراتيجية حينها، فالمفاوضات مع السوفييت كانت تهدف إلى تجاوز حكومة كابول وإضعافها، وتهيئة السوفييت إلى القبول بأن محور المفاوضات الوحيد هو ترتيبات الانسحاب العسكري، وتسليم السلطة كاملة إلى الفصائل المقاتلة.
ومع ذلك، فإن تلك المفاوضات لم تُجرَ أبداً، فقد واصلت الفصائل القتال إلى أن أجبرت القوات السوفييتية في نهاية الأمر على الانسحاب من دون اتفاق، تاركة حكومتها المحلية الحليفة لمصيرها المحتوم.
لكن الظروف تختلف كثيراً اليوم، فالمفاوضات اليوم ليست قضية تكتيك إلى حين حسم الوضع العسكري. فالقوات الأمريكية على الرغم من خسائرها الباهظة المادية والبشرية، وطول مدة القتال، فإنها لا تواجه هزيمة وشيكة على غرار القوات السوفييتية حينها، كما أن سلطة كابول الحالية بقيادة الرئيس محمد أشرف غني، هي حكومة منتخبة معترف بها.
وبالتالي، فإن اعتماد طالبان على شرط التفاوض مع المحتل من دون وضع الحكومة المحلية على الأجندة، هو مقاربة تفتقر إلى الواقعية وغير مجدية من الناحية الاستراتيجية. كما أن طالبان تواجه في المقابل، صعوبات حقيقية على عكس وضع الفصائل المقاتلة إبان سنوات الوجود السوفييتي، فهي معزولة دولياً، وغير قادرة على حسم النزاع عسكرياً، على الرغم من قدرتها على الاستمرار في شن الهجمات وإطالة أمد الصراع.
إن المفاوضات في هذه الحالة ضرورية لكل الأطراف، لكن الجلوس إلى طاولة التفاوض يعني بالضرورة الاستعداد لتقديم التنازلات، وهو الأمر الحاسم للوصول إلى حلول تُنهي النزاعات المعقدة.
وفي هذا الإطار، فقد تنازلت الحكومة الأفغانية قليلاً عن موقفها بشأن المشاركة في الجولات الأوّلية، وقالت إنها فوّضت الولايات المتحدة، وذلك في انتظار دخول المفاوضات مرحلة مناقشة التفاصيل. لقد بات الجوّ مهيئاً إذن، ولكن عندما يدخل المتفاوضون مرحلة التفاصيل، فسيكون على طالبان حينها تقديم تنازلات تاريخية، تتعلق برؤيتها للحكم والسلطة في بلد ديمقراطي، فهل هي مستعدة لهذه المرحلة؟.
Shiraz982003@yahoo.com