سرّ خلود الفنّ

14-01-2019
عبداللطيف الزبيدي

هل سألت يوماً أحداً: ما هو الشعر، فأطلق للسانه العنان، من دون أن يردّد سؤالك سبع مرّات، ولم يجب: لا أدري؟ إذا لاح مزهوّاً فاعلم أنه لا يعلم.
كعب آخيل الشعر هو أن يعلم أحد ما هو الشعر. نهاية الفنّ ستكون اللحظة التي يكتشف فيها شاعر أو موسيقيّ ما هو الشعر، ما هي الموسيقى. يومئذ يصير الشعر كلمات ترابية الحروف، من طين مرصوف، بلا روح، بلا راح، بلا نور، بلا نار، بلا أنهار، بلا أشجار، بلا أسرار. يومئذ لا يستطيع بعدُ الشاعر الهنديّ بيدل دهلوي أن يكلّم نفسه: «يا بيدل، إن بياني مصنع حشر المعاني.. مثل هدير صور البعث كلماتي». لو عرف أحد يوماً ما ما هي الموسيقى، لكان ذلك أجل الموسيقى. يومئذ تغدو مجرّد نوتات، مدارج، سلالم، مقامات، روافع، خوافض، لكن، لا موسيقى، لأن الموسيقى شيء آخر. ذلك الذي لا يعلم الأسرار، سيلقي عليك حللاً من زخرف الكلام فيها سرابات أقاويل عن الأوزان، العروض والقوافي وعلم أمراض (باثولوجيا) الشعر كالزحافات، من خبن ووقص وبتر، وهي مفردات مرعبة، فيها قطع الآذان والطعن وجرائم أخرى لم يجد قدماؤنا ما هو ألطف منها للتعامل مع روح الشعر.
أوّل خيط السرّ، هو أن النبع الذي ينبثق منه الفن واحد، غير أن الفنون وأشكالها وأجناسها وصور تعبيرها، متعددة، فهي تشبه حديث الصوفيين عن الكثرة في الوحدة. إذا خطر لأحد أن منابع الفنون شتات، فهو لا يعرف حقيقة الشعر والموسيقى. لحسن الحظ، في الآدميين عقلاء، لم يظهر منهم حتى الساعة ولا حتى واحد ادّعى أنه يعرف ما هو الشعر أو ما هي الموسيقى؟ هذا هو سرّ خلودهما. إنه ذلك المصدر الخلاّق الذي تنصهر فيه الحيرة والقلق الوجودي أمام الغيب المجهول، والإحساس بالجمال اللانهائيّ الذي لا نهاية للرموز الدالّة عليه بشرح يزيد الظمأ ظمأ، وتجلّيات تفاقم الغموض والحيرة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التدويخيّة: لمعرفة ما هو الشعر، يجب البحث عنه خارج الكلمات والوزن والقافية، لكن لا يمكن العثور عليه خارج الرموز والموسيقى.

abuzzabaed@gmail.com