في المواطنة الحل

14-01-2019

د. حسن مدن *

في الأنباء أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز شارك شخصياً في مسيرة جرت في العاصمة نواكشوط لرفض «خطاب الكراهية والتطرف»، الذي تشير تقارير صحفية إلى تصاعده خلال الأشهر الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي خاصة، وحتى وسائل الإعلام، بين المكون العربي والمكون الإفريقي.

والغاية من هذه المسيرة تبليغ رسالة واضحة بضرورة الحفاظ على وحدة المكونات المختلفة في البلاد في نسيج وطني واحد، وهي رسالة مهمة تحتاجها الكثير من المجتمعات العربية متعددة التكوينات الدينية والمذهبية والعرقية، فالكثير من الدول العربية أُسست كياناتها الوطنية على قاعدة هذا التعدد في مكوناتها، وهو تعدد له جذوره التاريخية الراسخة، حيث وجدت الكثير من المكونات نفسها تعيش على أرض واحدة، ويجمعها تاريخ مشترك، وكان عليها، وقد أصبحت هذه البلدان كيانات وطنية مستقلة ذات سيادة أن تتجه نحو بناء حاضر واحد ومستقبل مشترك، في إطار سيادة الدولة ومبادئ المواطنة.

وفي العقود القليلة الماضية شهدت بلدان المشرق العربي بعض أوجه الاستقطاب الطائفي والمذهبي، أمام تراجع الخطاب الوطني والقومي الجامع الذي وحد شعوب هذه البلدان في مرحلة سابقة، وتصاعد نفوذ التيارات الإسلامية المنقسمة بطبيعتها انقساماً مذهبياً ما ترك تأثيراته السلبية في المجتمعات المعنية بصورة عامة.

وقد فاقم من هذه الاستقطابات التدخلات الخارجية التي سعت إلى تكريسها و«شرعنتها»، ومن ذلك الطريقة التي أدارت بها الولايات المتحدة الوضع في العراق بعيد احتلاله مباشرة، فقد هندس برايمر، الحاكم العسكري الأمريكي يومها، صيغة التدوير الطائفي والعرقي لرئاسة مجلس الحكم المؤقت الذي عمل تحت إشرافه، وهو التدوير الذي نجمت عنه، فيما بعد، المحاصصة الطائفية المستمرة حتى اليوم، والتي يدفع العراقيون ثمنها الباهظ في اضطراب الوضع الأمني وتفشي الفساد والمحسوبية.

ليس الاستقطاب المذهبي سوى إحدى صور النيل من النسيج الوطني للبلدان العربية، ما يجعل من الضروري التأكيد أن المخرج الحقيقي من كل ذلك هو تكريس مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات التي تستوعب كافة مكونات المجتمعات في نسيج واحد، يحترم الفروقات الثقافية والدينية والإثنية، ويؤمن لكافة المكونات ما تطالب به من حقوق، ولكن في إطار المجتمع الواحد والدولة الوطنية الواحدة، التي هي أهم إنجاز ناله العرب في القرن الماضي، ولكنه للأسف بات مهدداً اليوم، كما دلت على ذلك التجربة المؤسفة بانفصال جنوب السودان عن شماله.

madanbahrain@gmail.com