تجاذبات عراقية

14-01-2019
يونس السيد

تعكس التجاذبات الدائرة في الساحة العراقية وما يتخللها من اتهامات متبادلة بين مختلف القوى السياسية، حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في بلد لا يزال يعيش تداعيات الحرب على الإرهاب، وفي وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى الوحدة ورص الصفوف لإعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية وإطلاق عجلة التنمية وإعادة البناء والإعمار لكي يتسنى له استعادة وضعه الطبيعي ودوره التاريخي في المنطقة.
الدولة المغيبة التي تحولت إلى ساحة، بفعل سطوة الميليشيات وقوة نفوذها، علاوة على الخلافات والتناقضات المتفاقمة بين مختلف الكتل السياسية، لا تزال غير قادرة على استعادة هيبتها واتخاذ قراراتها بحرية والتصرف بحزم مع كل الظواهر الشاذة والمسيئة والتي إن تركت، كما هي عليه الآن، فإنها ستقود حتماً إلى فتنة وربما إلى حمامات دم وكأنه كتب عليها أن تخرج من الحرب على «داعش» لتدخل في حروب داخلية، ناهيك عن التدخلات الخارجية وارتباطاتها الداخلية التي تحول حتى الآن دون استكمال تشكيل الحكومة بعد نحو ثلاثة أشهر من تكليف رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بتشكيلها.
أسوأ ما في الأمر، هو أن تتحول الصراعات الداخلية إلى وضع يشبه حالة الحرب جراء الاتهامات والاتهامات المضادة، كما حدث مؤخراً بين تيار الحكمة الذي يتزعمه عمار الحكيم و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، وهي إحدى ميليشيات «الحشد الشعبي» على خلفية اغتيال مصور صحفي وصاحب مطعم شهير في بغداد، والتي استدعت تدخل الرئيس العراقي برهم صالح للوساطة من أجل التهدئة وحل المشكلة بين الطرفين. وقبلها بأيام قليلة، اندلعت حرب اتهامات أخرى بين ائتلاف «النصر» الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وائتلاف «دولة القانون» الذي يتزعمه نوري المالكي على خلفية المسؤولية في استدعاء القوات الأمريكية إلى العراق. وكان قد حدث قبل ذلك سجال بين العبادي وعبد المهدي على خلفية إلغاء قرارات صدرت في عهد رئيس الوزراء السابق.
والأمر لا يتوقف هنا، إذ هناك خلافات كثيرة حول كل شيء تقريباً، لكن الأسوأ من ذلك كله، هو أن تعمل الأطراف والقوى السياسية على عرقلة عمل بعضها بعضاً، وهو أمر قد لا يبشر بالخير.
ومن الواضح أن الأمور لا يمكن أن تستقيم في العراق على هذا النحو، إذ لا بد أن تتولد الإرادة لدى مختلف القوى السياسية على تمكين الدولة من النهوض أولاً حتى تتمكن من القيام بالأعباء والمهام الجسيمة الملقاة على كاهلها، وهذا يتطلب من القوى السياسية الاتفاق على خيار الدولة لا الميليشيات، وعدم التمترس خلف خيار شخص بعينه وزيراً للداخلية أو الدفاع استجابة لرغبة هذه الدولة الخارجية أو تلك. وإذا أردنا أن نكون أكثر واقعية، فإن وجود الدولة والميليشيات أمران لا يستقيمان، إذ إن الميليشيات المتنمرة ستعطل حتماً دور الدولة، وبالتالي فإن المنطق يقتضي حل هذه الميليشيات وإعادة دمجها وتأهيلها في الجيش والقوى الأمنية، والعمل على إقامة دولة مدنية ديمقراطية بمؤسسات غير طائفية أو مذهبية وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.

younis898@yahoo.com