التدارك الفلسطيني ضرورة

14-01-2019
مفتاح شعيب

من شارع الفصل العنصري، إلى تهجير عائلات في القدس، إلى رسوم مسيئة للسيد المسيح، تنوع سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» أساليب اضطهاد الشعب الفلسطيني، لتركيعه، ودفعه إلى التفريط في حقوقه المكفولة بالقانون الدولي، والحقائق التاريخية، وهي سياسة تتعاظم مع الوقت مستفيدة من عوامل داخلية وخارجية، أهمها الانقسام الفلسطيني الداخلي والانحياز الأمريكي الفاضح للاحتلال.
في يوم واحد، خرج آلاف الفلسطينيين في غزة ورام الله في مسيرتين تطالبان بإنهاء الانقسام بين حركتي «فتح» و«حماس»، والسعي إلى توحيد الصف للدفاع عما تبقى من عوامل الوجود الفلسطيني. وجاءت هذه الخطوة الشعبية للتعبير عن رفض حالة الاحتقان المتصاعد بين الحركتين المتنافرتين، على الرغم من الجهود المصرية الطموحة لرأب الصدع بين الطرفين وتحقيق المصالحة الوطنية التي طال انتظارها، وأصبحت مطلباً ضرورياً للعمل الفلسطيني، بعدما تبين أن الانقسام كان عبئاً شديد الوطأة، وتبين أن الخسائر الناجمة عنه أسوأ من أي نكسة تلقاها النضال الفلسطيني في مسيرته الطويلة. فذلك الانقسام هو الذي أكسب الاحتلال كل هذه «الجرأة» على كل ما هو فلسطيني، فالاستيطان الذي يجتاح أراضي الضفة الغربية ما كان ليحدث بهذه الصورة، لو لم يكن هناك اطمئنان «إسرائيلي» إلى أن الفلسطينيين مشغولون بخلافاتهم الراهنة أكثر من حرصهم على المستقبل. والقدس، التي يجرى فيها الهدم والتهجير والتهويد، ما كانت لتسقط ضحية، لو كانت حاضنتها الفلسطينية موحدة الكلمة، والموقف، وقادرة على تنسيق خطوات الرد من كل شبر في الأرض الفلسطينية.
قد يتعلل البعض بأن الدعم الأمريكي غير المشروط، والاعتراف بالقدس عاصمة يهودية، هو سبب قوة «إسرائيل» وطغيانها، وهو الذي يدفعها إلى عدم الاكتراث بالمقررات الدولية، وتجاهل كل النداءات الداعية إلى الكف عن سياسيات تدمير «السلام». صحيح أن الانحياز الأمريكي يلعب دوراً كبيراً في تمرد «إسرائيل» على الشرعية الدولية، وأخذ على عاتقه منذ عشرات السنين أن يحميها ويجعلها الأقوى في المنطقة، وهذه الحقيقة ليست جديدة.
الحقيقة الثابتة في الوقت الراهن، أن القضية الفلسطينية تمر بواحدة من أقسى فترات تاريخها، ومواجهة هذا التحدي الصعب تتطلب التدارك، وتوحيد الداخل الفلسطيني على موقف واحد. أما خارجياً، هناك كثير من العوامل التي يمكن للشعب الفلسطيني أن يراهن عليها بعد أن تقطعت به السبل الأمريكية. فخلال ساعات سيتسلم الرئيس الفلسطيني في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك رئاسة مجموعة «ال77 + الصين» التي تمثل 134 دولة، بما يماثل نحو ثلثي المجتمع الدولي، وبإمكان الدبلوماسية الفلسطينية أن تحقق مكاسب جمة من هذه الفرصة، إذا وضعت خطة محكمة وانطلقت من قاعدة وطنية، ثابتة وموحدة، وإلا فالخسائر مستمرة.

chouaibmeftah@gmail.com