الذرائعية السياسية حول سوريا

14-01-2019
حسام ميرو

تبقى الذرائعية، أو البراجماتية، من المذاهب الفلسفية/ السياسية الحاضرة بقوة في إطار العلاقات الدولية، حيث إن أساس البراجماتية هو تحقيق الأهداف، وحيث إن النجاح في تأمين المصالح هو المعيار الذي يتمّ الحكم وفقه على السياسات والأدوات، ووفقاً لهذا المنطق في شكله المجرد، أو في حدّه الأعلى، فإن الأحكام الأخلاقية تغدو في مرتبة متأخرة، بل أحياناً معيقة لنجاح السياسات، وبالتالي فإن صنّاع القرار، وفقاً للمنطق البراجماتي/ الذرائعي، غير معنيين بتوافق المعايير الأخلاقية مع المعايير السياسية.
ولقد بقي الافتراق بين المعايير الأخلاقية والمعايير السياسية، وسيبقى ما بقيت السياسة والتاريخ، مثاراً للجدل، في علوم السياسة وتطبيقاتها، وهو جدل يحمل في طياته كل التناقضات القيمية بين المثال والواقع كما هو، لكن البراجماتية، وكما كل مذهب فلسفي، أو سياسي، يمكن أن ترتقي أو تنحط، بحسب اللحظة التاريخية، وممثلي المصالح والإرادات، أي بحسب المعطيات الواقعية، والتي تجعل من التبرير يحلّ مكان الحقيقة، وهو ما ينتج عنه في معظم الأوقات كوارث، بدلاً من إنتاج حلول.
ويمكن لنا في هذا السياق، وقبل الولوج إلى المثال السوري، تناول مثال قريب، وهو المثال اللبناني، حيث توافقت القوى الإقليمية والدولية على دفع اللاعبين اللبنانيين نحو القبول بصيغة توافقية، في مؤتمر الطائف، في عام 1989، من أجل إنهاء الحرب، وبكل تأكيد فإن إنهاء الحرب غاية أخلاقية لا يمكن تجاوزها، أو التقليل من شأنها، في أي بقعة من العالم، لكن قبول القوى الإقليمية والدولية آنذاك بالصيغة «التحاصصية» لقوى الحرب في النظام السياسي، كان من شأنها تكريس القوى الطائفية في لبنان، وجعل الطائفية مشرّعة سياسياً، وهو ما عنى قتل أي معنى للحراك السياسي والمدني خارج التوازنات الطائفية.
منذ ثلاثة عقود، ولبنان يعاني أزمات متتالية، حتى إن انتخاب رئيس للجمهورية، أو تشكيل حكومة، قد يستغرق عامين أو أكثر، نتيجة قدرة بعض الأطراف على التعطيل، الممنوحة لهم بقوة الدستور، كما أن الدولة اللبنانية لم تتمكن، مع مرور كل هذا الوقت، من احتكار السلاح، حيث لا يزال «حزب الله» يمتلك السلاح، خارج إطار الدولة، كما سمح لنفسه أن يتدخل في الصراع السوري، من دون أن يكون هناك قرار لدى الدولة اللبنانية بالتدخل، بل على العكس من ذلك، كانت قد اتخذت الدولة اللبنانية قرار «النأي بالنفس عن الأوضاع في سوريا»، وهو ما لم يلتزم به «حزب الله».
واليوم، وبعد كل المآلات الكارثية للصراع السوري، ثمة سجال عربي حول استعادة النظام السوري، وإعادته للمنظومة العربية، من أجل إبعاده عن إيران، وتحجيم الدور التركي، وهما غايتان سياسيتان مهمّتان من حيث المبدأ من أجل توازن النظام الإقليمي، لكن السؤال الأساسي، والذي يجب أن يسبق أي سجال من هذا النوع، وهو سؤال سياسي في الوقت ذاته، والسؤال هو: هل النظام السوري في بنيته الحالية يمتلك قراره السيادي، بعد أن خسر قراره، خلال السنوات الماضية، لمصلحة روسيا وإيران؟
أما السؤال الأخلاقي، والذي لا يقلّ أهمية عن السؤال السياسي، فهو هل يمكن فعلياً إعادة تأهيل النظام السياسي، وهو يتحمل مسؤولية جانب عما جرى من خلال عدم تقديمه أي تنازلات حقيقية للسوريين، كان يمكن لها أن تتفادى كل ما جرى، بل وتنتقل بالبلد لمرحلة أفضل سياسياً واقتصادياً؟
إن تجاهل مفاعيل الكارثة السورية في البنى الاجتماعية السورية، وما أنتجته من خلل، لا يمكن تجاوزه، ربما لسنوات مقبلة، من أجل استقرار النظام الإقليمي هو مسألة ذرائعية محضة، تتجاوز المسألتين الأخلاقية والسياسية في الوقت ذاته.
إن استعادة سوريا لتكون ركناً من أركان النظام الإقليمي العربي، في وجه المطامع التوسعيّة، لإيران وتركيا و«إسرائيل»، يكون عبر الضغط من أجل عملية انتقالية منصفة للسوريين، تضمن فتح صفحة جديدة، على أسس موضوعية لتحقيق السلم الاجتماعي، وبرامج حقيقية لإنصاف الفئات المتضررة، وفتح الأفق السياسي على واقع تنافسي وطني، ينطلق من كتابة عقد اجتماعي جديد، غير طائفي، يقوم على المواطنة المتساوية، وضمان الأدوات التنفيذية لتحقيقه، وما عدا ذلك، سيكون متاهة جديدة، ليس فقط للسوريين، بل لمجمل المنظومة العربية.

husammiro@gmail.com