خصومات قديمة

14-01-2019
عبدالله السويجي

الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الأسبوع الماضي حمل رسالة واحدة وإن تعددت محاور حديثه، فقد أعاد ما يسميه ثوابت السياسة الأمريكية في محاربة الإرهاب والتصدي للوجود الإيراني في سوريا ومواجهة صواريخ حزب الله الموجهة نحو «إسرائيل»، وهذه الثوابت ما هي إلا مناورات للتأكيد على الثابت الذي لا يتحول ولم يتحول على مدى سبعين عاماً، هو عمر الدولة الصهيونية في فلسطين، ومارسته جميع الإدارات الأمريكية بأساليب مختلفة، وهو التأكيد على تفوق «إسرائيل» على جيرانها العرب وأن تبقى الدولة اليهودية هي المهيمنة على المنطقة. ويتفرع من هذا الموقف الثابت مواقف داعمة للسياسات «الإسرائيلية» في المنطقة، المناهضة للحق الفلسطيني في فلسطين، أو على الأقل حقوق الشعب الفلسطيني في أن يكون له دولة على حدود ما قبل حرب 1967، أي على الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبشأن الوجود الإيراني في سوريا، تحدث بومبيو بطريقة أدهشت المحللين الإعلاميين حين قال إن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل العمل من خلال «الدبلوماسية» مع حلفائها من أجل «طرد» الإيرانيين من سوريا حتى بعد انسحاب الجنود الأمريكيين من البلاد... وفي الواقع فإن هذه اللغة جديدة على الخطاب الأمريكي لأنه لا ينسجم مع الخطاب «الإسرائيلي» ولا أفعاله، فمن هم حلفاء أمريكا الذين سيتعامل معهم من خلال الدبلوماسية من أجل طرد الجنود الإيرانيين من سوريا، بينما الحرب الإعلامية مستعرة بين معظم دول مجلس التعاون وإيران، ولا سيما السعودية والإمارات والبحرين، أما قطر فتواصل التعامل الإيجابي مع إيران لكسر المقاطعة. فهل تعتقد الولايات المتحدة أن قطر يمكنها العمل دبلوماسياً مع الولايات المتحدة لطرد إيران من سوريا في الوقت الذي لا تستطيع قطر إلا أن تكون مطيعة لإيران لأسباب سياسية واقتصادية كثيرة، وبالتالي فإن هذا الجهد الدبلوماسي الذي يتحدث عنه بومبيو لا يبشر بنتائج، وما هو إلا للاستهلاك السياسي.
أما تعهدات الولايات المتحدة بسحق تنظيم «داعش» فباتت مضحكة، لأنها لم تعمل في يوم من الأيام على هزيمة «داعش»، والسبب ببساطة أن الولايات المتحدة كانت تقف إلى جانب هذا التنظيم حين كان يتعرض للهزائم، وكانت الطائرات الأمريكية تقصف إما الجيش السوري أو قوات سوريا الديمقراطية أو حلفاء سوريا لفك الحصار عن «داعش»، ناهيك عن أن الولايات المتحدة ساهمت في تقوية نفوذ «داعش» منذ البداية دون أن تعلم توجهه وسياساته، واتضح ذلك من خلال تصريح الرئيس الأمريكي نفسه في حوارات تلفزيونية، وقلنا سابقاً إن من مصلحة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الإبقاء على «داعش»، كما كان من مصلحتها الإبقاء على تنظيم القاعدة باعتراف هيلاري كلينتون أمام مجلس الشيوخ، حيث اعترفت بأن الولايات المتحدة هي التي أنشأت القاعدة وأبقت عليها لأنها قد تحتاجها في المستقبل، واحتاجتها لتدمير العراق بالفعل.
إن الأمر المؤكد في خطاب وزير الخارجية الأمريكي هو تعهده بأن تواصل واشنطن العمل على أن تحتفظ «إسرائيل» بالقدرات العسكرية التي تمكنها من الدفاع عن نفسها ضد نزعة المغامرة العدوانية للنظام الإيراني... وكأن إنشاء «إسرائيل» كان في الأساس لمواجهة العدوان الإيراني. وهذا يحيلنا إلى السياسة المائعة التي تتبعها الولايات المتحدة ضد إيران، وما يفعله ترامب بشأن الاتفاق النووي الإيراني ما هو إلا زوبعة في فنجان، لأن السياسة الجديدة أيضاً هي العمل الدبلوماسي مع حلفاء أمريكا لطرد إيران من سوريا، وهي سياسة ضبابية، بينما الأمر المؤكد هو ضمان وجود الكيان اليهودي متفوقاً ومستشرساً على محيطه.
والأمر الآخر الخطير في خطاب وزير الخارجية الأمريكي هو دعوته دول الشرق الأوسط إلى تجاوز «الخصومات القديمة» مع «إسرائيل» لمواجهة إيران. ونحن لا نعلم كيف سيتم تجاوز الخصومات القديمة في ظل عدم الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بأن تكون له دولة، أو يعود اللاجئون إلى ديارهم. ثم من قال للإدارة الأمريكية إن الخصومات باتت قديمة، وكأن السلام استتب وصارت الدولة اليهودية مقبولة في محيطها.
خطاب بومبيو خطير جداً ويدعو العرب إلى النظر للصراع مع «إسرائيل» على أنه خصومات قديمة، ويستمر في اللعب بالورقة الإيرانية لتوريط المنطقة في صراعات دائمة، هذه الورقة التي بات قادة الخليج يدركون سخريتها، ولهذا فهم يعتمدون على أنفسهم في حل النزاعات.

suwaiji@emirates.net.ae