ما لم يقله بومبيو في القاهرة

14-01-2019
عاصم عبد الخالق

لم يكن مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي بحاجة لكي يقطع آلاف الأميال إلى القاهرة ليعلن منها أن سياسات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تجاه المنطقة كانت خاطئة. رئيسه دونالد ترامب يقول ذلك دائماً، ولا يترك فرصة دون أن يعد بإصلاح ما أفسده سلفه.
لا يعنينا تحديد أيهما على حق، ولا نسعى للمقارنة بينهما، لكن كل الشواهد المتوفرة بعد عامين من حكم ترامب تقول إن سياساته هو أيضاً لم تفد المنطقة، ولم تحسن أحوالها إن لم تكن قد أضرتها على نحو أكبر مما فعل أوباما بمواقفه الضعيفة، وقراراته المتأخرة، وسياساته المترددة.
لم تكن صدفة أن يختار بومبيو القاهرة لإلقاء خطاب البراءة مما فعل أوباما، فهي نفس المدينة التي تحدث منها الأخير عام 2009 مخاطباً العالم الإسلامي ليتبرأ بدوره من أفعال سلفه جورج بوش.
حرص بومبيو أيضاً على اختيار محفل أكاديمي لإطلالته. وهذه المرة كانت الجامعة الأمريكية هي المكان المختار مقابل جامعة القاهرة التي تحدث من قاعتها الكبرى أوباما.
سنتجاوز ما قيل عن المغزى الرمزي للمكانين. ذلك أن جامعة القاهرة هي الأقرب لوجدان المصريين، وترتبط في وعيهم بالوطنية. وفيها تعلم وتخرج العشرات من رموزهم التاريخية في الثقافة والأدب والفن وغيرها. وهي تقع في قلب العاصمة الكبرى وأقرب إلى أحيائها الشعبية النابضة بالحياة والمثقلة بالهموم والباحثة عن مستقبل أفضل لأبنائها.
على النقيض من ذلك اختار بومبيو أن يأتي حديثه من معقل الصفوة الاجتماعية، والأرستقراطية المصرية الجديدة الزاحفة إلى «التجمع الخامس» على أطراف القاهرة، وهو أحد الأحياء الراقية والحديثة في العاصمة حيث النخبة الثرية. ومقابل جامعة القاهرة حيث التعليم بالمجان، على الأقل من الناحية النظرية، تحدث بومبيو من الجامعة الأمريكية ذات المصروفات الباهظة التي لا يقدر عليها سوى صفوة المصريين.
دعك من الشكل، فسيظل المضمون هو أكثر ما يعنينا في خطاب بومبيو الذي خلا من أي جديد تقريباً. ما لم يقله الوزير الأمريكي كان هو الأهم. تجاهل تماماً القضية الفلسطينية، وإذا كان قد أكد في جملة عابرة حرص إدارته على تحقيق السلام مع «إسرائيل» فلم يتحدث قط عن رؤيته لكيفية تحقيقه ولم يطرح أي مبادرات.
أسهب بومبيو في الحديث عن محاربة الإرهاب والقضاء على «داعش» ومحاصرة النفوذ الإيراني المتمدد.
وبدا واضحاً أن هذه هي القضية الحقيقية والوحيدة التي تشغل واشنطن وهي سبب جولته. تحدث أيضاً عن تحالف مع دول الاعتدال بالشرق الأوسط مؤكداً دعم التعاون الاقتصادي معها. كل هذا طيب ولكنه لا يحمل جديداً. وهي توجهات ثابتة التزمت بها كل الإدارات السابقة بما فيها إدارة أوباما.
لم يطرح بومبيو خطة عمل أو خريطة طريق يبين فيها كيف ستختلف إدارة ترامب عن سابقتها. ولم يتحدث عن النزاعات الملتهبة الأخرى في المنطقة أو كيفية مساعدة دولها على مواجهة قضايا الفقر والفساد والتحديات الاجتماعية والسياسية الخطيرة التي تواجهها. وعندما تحدث عن سوريا جاءت كلمته مبتسرة، فلم يتطرق سوى إلى محاربة «داعش» وتجاهل الحديث عن خطة سلام وكأنه ليس هناك دولة تمزقها حرب أهلية طاحنة. نفس الرؤية الغائبة غلفت حديثه عن اليمن فلم ير فيه غير ساحة حرب تعبث فيها إيران، ولم يطرح أو يقترح أفكاراً لإحلال السلام.
قال إن لديه خبراً سعيداً هو أن «زمن التقاعس الأمريكي قد ولى، وكذلك ولت السياسات التي ولدت المعاناة في المنطقة». كلمات عظيمة غير أنها تظل بلا معنى لأن معاناة المنطقة ما زالت قائمة بل تتفاقم. وعودة أمريكا التي تحدث عنها جاءت مقرونة بمزيد من الآلام للشعوب العربية. فهل يمكن الاحتفال بعودة كانت بدايتها الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» ونقل السفارة إليها، وتوقيع العقوبات الجائرة على الفلسطينيين وتبني كل توجهات اليمين «الإسرائيلي» المتطرف؟ إذا كانت هذه مقدمات العودة فهل يبشر اكتمالها بخير؟

assemka15@gmail.com