جاسم مراد

12-01-2019

د. حسن مدن

هناك رجال، حقّ وصفهم بأنهم عاشوا ورأوا، بالمعنى الواسع العميق لهذا القول، فليس كل الأحياء يعيشون الحياة بما يجدر بها أن تعاش، فينخرطوا فيها بحماس ومحبة ونبل، تحدوهم في ذلك قيم وأفكار تلهمهم، فيتعلموا من تجارب هذه الحياة، التي تصقل شخصياتهم وتصوغ تجاربهم.

الشخصية الوطنية ورجل الأعمال البحريني جاسم مراد، الذي رحل عن دنيانا قبل يومين عن ثمانية وثمانين عاماً، هو واحد من هؤلاء الذين عاشوا ورأوا. وعلى أهمية حضور ودور جاسم مراد داخل وطنه البحرين، إلاّ أنه كان شخصية معروفة في بلدان الخليج العربي الأخرى، وأذكر هنا أنه جمعته علاقة صداقة وتقدير مع مؤسسي دار الخليج وعميديها المرحومين تريم عمران وعبدالله عمران، وكان المرحوم الدكتور عبدالله عمران كثير الالتقاء به قبل رحيله المفاجئ.

شارك جاسم مراد في الكثير من المحطات التاريخية في تاريخ البحرين منذ كان شاباً يافعاً؛ حيث انخرط في هيئة الاتحاد الوطني التي تشكلت في الخمسينات ضد هيمنة الإنجليز على مقدرات البلاد، ومن أجل إدخال إصلاحات سياسية، ويمكن القول إننا برحيله فقدنا واحداً من آخر الشهود الأحياء على هذه الحركة.

حين كانت البحرين تتهيأ لنيل استقلالها من الإنجليز، مطالع سبعينات القرن العشرين، كان جاسم مراد رئيساً لواحد من أهم الأندية الثقافية فيها، هو نادي المحرق، ومن موقعه هذا كان له موقف واضح، مع كل الفعاليات الوطنية والمجتمعية في البلاد، في رفض المطالبات الإيرانية بتبعية البحرين لإيران، وهو الموقف الذي أجمع عليه شعب البحرين وأبلغه للمندوب الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الذي زار البلاد يومها لتقصي موقف البحرينيين، فأجمعوا على رغبتهم في أن تكون البحرين العربية دولة مستقلة.

بعد إعلان استقلال البحرين عام 1971، فاز الفقيد في الانتخابات التي جرت لاختيار أعضاء المجلس التأسيسي الذي ناقش وأقرّ أول دستور في تاريخ البلاد، وبعد إقرار الدستور فاز في الانتخابات النيابية التي جرت، ليصبح نائباً في المجلس الوطني (البرلمان)، وفي المجلسين: التأسيسي والوطني، عرف جاسم مراد بمواقفه الواضحة والجريئة، وكان في ذلك نعم الرجل المنسجم مع قناعاته الليبرالية والوطنية، منحازاً للتحديث ولحقوق المرأة ولفصل الدين عن الدولة، ولتحقيق التنمية الرشيدة والعدالة الاجتماعية وحرية الرأي والضمير والمعتقد.

عبّرت جنازة التشييع الكبيرة للفقيد، والحشود الهائلة من الناس التي تتوافد على مقر عزائه، عن مدى محبة الناس لجاسم مراد وتقديرهم لمواقفه التي ظلّ وفياً لها حتى رحيله.

madanbahrain@gmail.com