بين أزمات الفن والاقتصاد

11-01-2019
عبداللطيف الزبيدي

لماذا نقرع أجراس الخطر دون كلل؛ تحذيراً من دلائل هبوط الفن؟ أهل الاقتصاد ممن قلوبهم ريشة يرون الجنة والنار في الأخضر والأحمر في قوائم الأسهم، في حين أن الأداء الاقتصادي والمالي، ومستوى العمل السياسي، هما من الميادين التي يمكن أن يتغيّر المشهد فيها في لمح البصر.
هبوط الفن أهم أعراضه تذكّرك بما يحدث في الأمراض «الجسدية والنفسية»، فرط التدرّق مثلاً، ازدياد إفرازات الغدة الدرقية. عندما تظهر الأعراض، فذلك دليل على أن الإصابة حدثت قبل مدة طويلة.
وعلى الرغم من أن أهل الاختصاص أدرى بتاريخ الأزمات الاقتصادية والمالية، فإن القلم يكاد يجزم بأن انخفاض مستوى الأداء الاقتصادي في الدول، ليس نتيجة لانهيار معنويات شعوبها. التحليل والجدلية غير مقنعين، لكن الجدلية مُحكمة كالرياضيات إذا درسنا ملياً، أثر هزيمة الروح العامة في تداعي مقومات الفنون. الوعكة المالية لا تحتاج إلى زمن طويل للتعافي، إلا إذا كانت الإدارة تحت الصفر، والقدرات الابتكارية منعدمة.
أما الهبوط الفني فليس في يوم، في شهر، في سنة.. تهدأ الجراح وتنام. من سنة 67 ونحن في هزيمة. المعنويات: الشعر، المسرح، الأغنية، السينما، المسلسلات... المأساة هي الأناشيد التي يُنتظر منها رفع المعنويات، فإذا هي في قعر سحيق.
المقارنة المؤسفة هي أن البيئة الثقافية العربية لم تكن في مستوى الكثير من مثيلاتها في الشدائد. تاريخ المقاومة الثقافية الفرنسية في الاحتلال النازي، أقامت فيه القيامة كل الفنون والأجناس الفنية. شوبان بمفرده أشعل المقاتلين والجماهير «بمارشاته»، عندما احتلت بروسيا وطنه بولندا. اللبيب لا يحتاج إلى توضيح الواضحات: هل ثمة أناشيد وطنية رائدة جاءت بعد النكسة وحظيت بشعبية عربية؟ بصراحة، هل يستطيع مطرب اليوم تقديم «دعاء الشرق» في حفل ساهر، مع «مصر تتحدث عن نفسها»، و«أخي جاوز الظالمون المدى»؟ يستطيع لكن مع التصرف: «أخي جاوز الراجفون المدى»؟ من أين يستمد الفنانون والمبدعون روح طموح الأوطان؟ القيم الجديدة في الركوع، الخنوع، القنوع.
لزوم ما يلزم: النتيجة التأزيمية: الانهيار لا يحدث لوقوع الهزيمة؛ بل جراء القبول بها قدَراً.
abuzzabaed@gmail.com