تربية رقمية

11-01-2019
صفية الشحي

لقد أصبحت الخدمات الرقمية العابرة للمسافات الزمنية والجغرافية، هي مصدر القوة التي تعزز واقع ما يعرف بالإعلام الجديد، هذه الترسانة من الأدوات التفاعلية والتواصلية التي حوّلت إنسان الألفية الجديدة من مجرد متلقٍّ لا حول له ولا قوة فيما يصله من رسائل مباشرة إلى ذلك المتمرد الذي يرفض إلا أن يكون مشاركاً أو معارضاً، حتى أنه اعتقد -أو صوِّر له- بأن الشبكة هي ميدانه الأوحد، بغض النظر عن تخصصه أو مستوى معرفته وثقافته، فهو القادر على أن يكون دائماً حاضراً في صناعة الحدث الإعلامي.
ما هو مستوى الثقافة الإعلامية الذي نتحدث عنه في هذا السياق؟ وعلى اعتبار أن هذه التفاعلية المباشرة خلقت عند المستخدمين الحد الأدنى من الوعي الرقمي الذي يمكنهم من فهم الكيفية التي يؤثر الإعلام بها عن طريق شبكات التواصل في حياتهم ومجتمعاتهم، فنحن إذن نتحدث عن مستوى يتم من خلاله الاعتراف بعمق التفاعل الكوني، وتأثيره في حياتنا المعاصرة.
من أجل ذلك ولدت التربية الرقمية الإعلامية في عام ٢٠١٢ كحركة أكاديمية عالمية، هدفها تمكين المواطنين الرقميين من امتلاك مهارات التفكير النقدي بالدرجة الأولى، وقد جاء هذا الموضوع تماشياً مع ضرورات الحياة، وإشباعاً للاحتياجات التي لم تعد تلبيها العملية التعليمية الروتينية، ولا الآلة الإعلامية التقليدية.
وتنبّهت مجتمعات كثيرة حول العالم لمثل هذه الضرورة، فمثلاً تقدمت أستراليا مؤخراً على مستوى العالم في مجال التربية الرقمية، مخصصة أكثر من ٩٥ مركزاً لتدريس التكنولوجيا والبرمجة الرقمية للأطفال، أما في الإمارات التي كشفت دراسة حديثة أن ٩٥٪ من طلبة المدارس فيها من الفئة العمرية بين ١٤ و١٨ عاماً هم مستخدمون نشِطون لشبكات التواصل الاجتماعي، فقد أعلنت وزارة التربية والتعليم عن طرح منهاج متخصص بعنوان المواطنة الرقمية يمكن أن يحقق طموحات فكرية وذهنية واضحة لهذه الفئة، ويقطع الطريق أمام أي انتهاكات أخلاقية ونفسية، كما يمكّن أبناءنا من ممارسة الفرز الضروري لكل ما يتعرضون له عبر الشبكة.
لكن الأمر لا يقتصر على طرح المناهج الدراسية أو تقديم التدريب التطبيقي والعملي للمجتمع، بل هو جهد متكامل تقوم به جهات متعددة، بدءاً من أولياء الأمور الذين لا يمكن أن يتعاملوا مع الوضع بحيادية أو بتطرف، وإنما يجب أن يسعوا لأن يكونوا بدورهم أفراداً مثقفين إعلامياً ورقمياً، ثم يأتي دور الوسائل الإعلامية المحلية، والتي يجب ألّا تكتفي بإعادة نشر المحتوى التقليدي عبر المنصات المختلفة، بل تبادر بصناعة ما يحوّل المستخدمين المنغمسين في هذه البيئات التفاعلية من مجرد مستهلكين إلى شركاء حقيقيين في المشهد الرقمي، ومواطنين عالميين ومسؤولين عن صناعة جزء من المحتوى المتوازن والفعال على الشبكة.

Safia.alshehi@gmail.com