إدارة أمريكية متصدعة

11-01-2019
مفتاح شعيب

ربما لم تعرف الولايات المتحدة في تاريخها فوضى سياسية وتشويشاً في الرؤية وارتباكاً في المؤسسات ونزيفاً في استقالات المسؤولين الكبار ورجال الدولة كهذه المرحلة التي تعيشها مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، فمنذ انتخابه غرقت واشنطن في أزمات داخلية وخارجية، بينما تتضخم المعضلات يوماً بعد يوم لتنسف كل ما تم رفعه من شعارات وفي صدارتها «أمريكا أولاً».
الخلل الجوهري في عمل الإدارة الأمريكية يتمثل في الشرخ الكبير الواقع بين البيت الأبيض وبقية مؤسسات الدولة. ويعكس الاجتماع الأخير بين ترامب وقيادات الكونجرس الديمقراطيين هوة تزداد اتساعاً بين الطرفين، يبدو أنها لن تلتئم في المدى المنظور بسبب الخلاف حول الإغلاق الحكومي وتمويل الجدار على حدود المكسيك، وما سبق ذلك من تحقيقات مفتوحة في قضايا عديدة محورها سياسة البيت الأبيض ومواقفه. وبعد الصدام الجديد بين الطرفين، يتأكد أن هذا الصدع سيكون حاسماً لأن لغة الخطاب وطبيعة التواصل تشيان بالكثير من التنافر، فاللقاء الأخير لم يستمر إلا دقائق معدودات، كانت «مضيعة تامة للوقت» بحسب الرئيس، وهذه الجملة كافية للدلالة على سوء العلاقة، في حين اتهمه الديمقراطيون بالانخراط في «نوبة غضب» غير مبررة، ويبدو أن التلاسن لن يتوقف عند هذا الحد.
ترامب مولع ببناء الجدران، بمختلف معانيها، والديمقراطيون يدفعون باتجاه إلغاء هذه الجدران والتواصل مع العالم الخارجي والتفاعل مع قضاياه وأزماته كعهد السياسة الخارجية الأمريكية في العقود الماضية. ولأن لكل مؤسسة أمريكية توجهاً ورأياً تبدو الصورة من الخارج مهتزة، لتبدأ الخلافات الحادة مع أقرب الحلفاء. وبينما يقول البيت الأبيض ومستشاروه إن هذه السياسة تزيد من «عظمة» الولايات المتحدة، يؤكد الديمقرطيون وأغلبية من القادة الجمهوريين أن هذه السياسة تجعل واشنطن في طريق العزلة، وهي التي بنت مجدها وقوتها على الحلفاء في مفاصل العالم أجمع. ومع اليقين بأن القوة الأمريكية مازالت رائدة وسائدة، إلا أن استمرارها على هذه الحالة أمر مشكوك فيه، سواء أكان ذلك عبر معادلة القوة والضعف أم منطق السيرورة التاريخية الذي يؤمن بالتحول والتداول ويرفض الجمود والثبات.
الاهتزاز الذي تشهده الولايات المتحدة باعتبارها الدولة المركزية في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والأمني العالمي سيؤثر حتماً في المجموعة الدولية قاطبة. وسيزيد من الاحتقان على جميع الصعد. والأمرالمتوقع هو أن يمتد الانقسام الأمريكي إلى بقية العالم . لقد قال ترامب، المزهو بنفسه، إنه لو ترشح لأي منصب في أوروبا لكان الفوز حليفه، وبالمقابل يضمر مناوئوه العكس تماماً، فالديمقراطيون مصممون على استعادة الصفاء في العلاقات الأمريكية الأوروبية وبقية العالم وفق مصالح واشنطن التقليدية لا الانسحاب والتقوقع بعيداً عن أجواء الأطلسي.

chouaibmeftah@gmail.com