«صفقة القرن» وتعويض المستوطنين

11-01-2019
حافظ البرغوثي

ما تم الإعلان عنه مؤخراًَ من أن دولة الاحتلال ستطالب ضمن «صفقة القرن» بعض الدول العربية بتعويضات عن أملاك اليهود التي تركوها قبل هروبهم إلى «إسرائيل» ليس جديداً، وليس كما ادعى «الإسرائيليون» من أن البحث عن الممتلكات المزعومة تم بإشراف مكتب رئيس حكومتهم نتنياهو، بل هو قديم وجرى الحديث عنه منذ عقود. المبلغ المطلوب هو 250 مليار دولار وهو رقم فلكي، خصوصاً أن أغلبهم باعوا ممتلكاتهم قبل هجرتهم، ولم يهاجروا طوعاً بل قسراً تحت تهديد عصابات الموساد والهاغاناه وبترغيب من الوكالة اليهودية والحكومة البريطانية وبدعم أمريكي لاحقاً، وبتواطؤ بعض المسؤولين العرب الذين قبضوا أموالاً مقابل كل مهاجر.
ففي العراق وبعد قيام دولة الاحتلال سنة 1948 والكشف عن علاقات بين تجار يهود والحركة الصهيونية تم طرد الموظفين اليهود من الحكومة، ثم أقر البرلمان العراقي بإيعاز من بريطانيا قانوناً سنة 1950 بالسماح لليهود بالهجرة شرط التنازل عن الجنسية العراقية، وقيل وقتها إن بعض كبار المسؤولين في الحكومة العراقية قبضوا أموالاً من الوكالة اليهودية مقابل كل مهاجر. وهاجر بموجب القرار العراقي الرسمي قرابة 100 ألف يهودي من العراق بعضهم عبر الأردن والأغلبية في رحلات جوية. كانت دولة الاحتلال في بداياتها بحاجة إلى مهاجرين جدد، وقد لعبت المنظمات الصهيونية دوراً محورياً في بث التوتر والرعب والإرهاب بين اليهود بتفجير عبوات في الأحياء اليهودية واتهام العرب بالوقوف وراء ذلك، وأظهرت الأحداث بعد ذلك بقليل أن منظمات صهيونية كانت تقف وراء الانفجارات.
كما كان لقانون الجنسية الذي أصدرته دولة الاحتلال عام 1950 والذي يمنح كل يهود العالم الجنسية «الإسرائيلية» أثره كذلك في تشجيع اليهود على الهجرة، إضافة إلى الحوافز الاقتصادية والمالية التي قدمتها المنظمات اليهودية لهم. وقد هجرت دولة الاحتلال نحو خمسين ألف يهودي من اليمن خلال الأعوام 1949-1950 في إطار عملية سميت عملية «بساط الريح» بمساعدة من بريطانيا وأمريكا حينها.
وقد طلب آنذاك الإمام يحيى حميد الدين من جميع اليهود الذين أرادوا مغادرة البلاد بيع ممتلكاتهم، كي يحول دون مطالبة هؤلاء اليهود بأي حقوق لهم في المستقبل.
وفي السياق نفسه تكرر الأمر في مصر، حيث وقعت بعد قيام دولة الاحتلال تفجيرات لمحال يملكها يهود على أيدي عملاء لمنظمات صهيونية، وذلك لخلق حالة عدم استقرار بين اليهود ودفعهم للهجرة.
والملاحظ أن من بين 27 ألف يهودي مصري تركوا مصر استقر 7200 منهم فقط في فلسطين، أي نحو الربع، حالهم في ذلك حال معظم اليهود الذين تركوا بلادهم الأصلية وفضلوا الانتقال إلى بلد غربي غير «إسرائيل».
عند قيام «إسرائيل» عام 1948 كان هناك نحو 30 ألف يهودي في سوريا، لكنهم غادروا على دفعات متتالية إلى «إسرائيل». وفي المغرب العربي شجع الاستعمار الفرنسي اليهود على الهجرة خاصة في المغرب حيث هاجر قرابة 90 ألف يهودي لأسباب اقتصادية حيث كانوا حرفيين وغير أثرياء.
عملياً الحركة الصهيونية وإرهابها وترغيبها هي المحفز الأول على تهجير اليهود من البلاد العربية وأغلبهم باعوا ممتلكاتهم ولم يهاجروا بين ليلة وضحاها، فالمطالبة بتعويض ممتلكات يمكن الإجابة عنه بأنه يمكنهم العودة إليها إذا لم يكونوا قد باعوها قبل هجرتهم.
هذا السيناريو، أي المطالبة بتعويضات من قبل «إسرائيل» هو ضمن «صفقة القرن»، التي لا تذكر شيئاً عن سرقة وطن بكامله استولى عليه اليهود وتم إخراج أصحابه عنوة منه. وهكذا يمكن أن نرى كيف ستكون صفقة القرن، فهي تهب القدس والضفة إلى ما تم احتلاله سنة 48 وتطالب للمستوطنين بحقوق في البلاد العربية. وهذه تكفي لإقناع بعض العرب المترددين بشأن «صفقة القرن» أن يرفضوها.
hafezbargo@hotmail.com