لنا في الهند

10-01-2019

يوسف أبو لوز

لنا في الهند ما للعالم في بلد التنوّع الاجتماعي والمعتقدي والديني والأسطوري.. والجمالي والموسيقي. الهند «قارّة» من البشر والألوان والأصوات وبقدر ما فيها من حاجة الناس إلى الخبز والمأوى والطبيب، بقدر ما في حاجة العالم إليها من الشعر والحكمة والفلسفة.

لنا في الهند روح الشرق وميثولوجيّاته الآسرة، ولنا فيها سحر الكتابة الأول.. النصّ الإنشادي الشعائري، «الراميانة» الذي يرقى عند الهنود إلى مرتبة التبجيل والرفعة المقدّسة.

وتنسب «الراميانة» إلى الشعر «فالميكي» ، القرن الأول قبل الميلاد ، وقد وضعها باللغة السنسكريتية.. إحدى أهم لغات الحضارات المبكرة في الشرق، وتعادل «الراميانة» عند الهنود ما تعادله «الشاهنامة» عند الفرس، أو «الإلياذة» عند اليونانيين، و«الأوديسة» عند الإغريق، ورغم أن الروح الثقافية المتوسطية «نسبة إلى البحر الأبيض المتوسط» تحدّ العرب من الغرب، وتحدّهم الروح الهندية بكل مكوّناتها الثقافية من جهة الشرق.. إلاّ أننا لم نقرأ «الراميانة» كما اندفعنا في قراءاتنا وترجماتنا للإلياذة، والأوديسة.

لم نقرأ، أو لم نقرأ جيداً سِفْراً هندياً آخر هو «المهابهارتا» وهي الجزء الأسطوري الشعري الشعائري المكمّل

لِ «الراميانة».

«المهابهارتا» كما يرد في الموسوعة الحرّة تعني «الملك العظيم بهارتا»، وهي ملحمة تتحدث عن الحرب الطاحنة بين ما يُسّمون في التاريخ الهندي «الكاورافاس». وما يُسّمون «الباندافاس»، وتعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

لنا في الهند فيلسوف الحب والحياة والتواضع «رامبرانت طاغور» فقد كان تعويضاً عما لا نعرفه في الملحمتين.. «الراميانة» و«المهابهارتا» فيما عرفناه عند هذا الرمز الشعري والمسرحي والروائي.. ابن البنغال والهند والشرق كله حتى سور الصين العظيم.

لغته الأم هي السنسكريتية، لكن، من قال إن أيّ لغة نائية غامضة وحتى مجهولة تظل مجهولة إذا نطقت بشعر الحب والجمال والإيمان، وهكذا، سيقطف طاغور مجد نوبل العالمي بلغته النائية هذه، فقد كان جوهرها الجمال والحب والمعرفة.

عرف القارئ العربي رامبرانت طاغور أكثر من أي شاعر في آسيا أو في شرقها البعيد عن مركزية العواصم العربية وغير العربية، فقد اجتمعت فيه عاطفة قوية مصدرها بلاده وشعبه، إلى جانب عاطفة قوية أخرى مصدرها عالميّته وثقافته الرفيعة: شاعر، ورسام، ومسرحي، وقبل هذا وبعده إنسانيته الغامرة، والتي تظهر بكل وضوح في شعره الذي نقل إلى العربية في مئات الترجمات.. ولحسن الحظ أغلبها ترجمات ليست خائنة.. ربما لأن طاغور في عروقه شيء من دماء العرب.

yabolouz@gmail.com