ليبيا.. دقت ساعة الحسم ضد «الإخوان»

10-01-2019
كمال بالهادي

لم تكن دعوة النائب العام في ليبيا، الصديق صور، إلى اعتقال عبد الحكيم بالحاج، قائد الجماعة الليبية المقاتلة سابقاً ورئيس حزب الوطن حالياً، وكذلك إبراهيم الجضران، ونحو خمس وثلاثين شخصية ليبية وأجنبية، على خلفية الاعتداءات على منشآت نفطية وقاعدة عسكرية في الجنوب الليبي، سوى إعلان صريح عن أن سنوات الفوضى قد آن لها أن تنتهي، وأنّ ساعة محاسبة إخوان ليبيا قد دقّت.
التهم الموجهة لأخطر شخصيتين في ليبيا في السنوات الأخيرة هي على درجة من الخطورة، حيث شملت ضلوعهما في ارتكاب عدد من الهجمات الدامية على عدد من المواقع العسكرية والنفطية وجرائم القتل والحرابة والاختطاف. وهذه الجرائم كفيلة بأن تقود كليهما إلى السجن وأن تقود من كان يدعمهما سواء من الداخل أو من الخارج إلى أروقة المحاكم، خاصة أن الأمر يتعلّق بتهم ترتقي إلى مستوى التآمر على الأمن القومي الليبي.
إن إصدار مثل هذه المذكّرة من طرف النائب العام الليبي، ومن مقرّه في طرابلس، حيث الفوضى الأمنية في أقصى مراحلها، وحيث يتحكم عبد الحكيم بالحاج و ميليشياته في العاصمة الليبية منذ غزوة معسكر العزيزية في العام 2011، يعبّر عن تحوّلات مهمّة في المشهد الليبي، وهذه التحوّلات ستكون حاسمة في مستقبل ليبيا، خاصة أنّ قوى عربية ودولية، قررت إنهاء حكم جماعات الإسلام السياسي، وتحجيم دورها ونفوذها في الدول التي ما زالت تلعب فيها دوراً قيادياً. وإذا ما علمنا أن دول الجوار الليبي قد تأذّت من استمرار الانفلات الأمني في ليبيا، ومن تحوّلها إلى مصدر للتدريب وتهريب السلاح، وتصدير الإرهابيين، لتنفيذ عمليات انتحارية في تونس أو الجزائر أو مصر، أو حتى في أوروبا، فإن كل هذا يتحوّل إلى عوامل ضاغطة على قيادات الميليشيات الليبية، الذين انحسر دورهم، وقلّت مصادر تمويلهم، فاتجهوا إلى القيام بعمليات متكررة في محاولة للسيطرة على مصادر النفط وزيادة إيراداتهم المالية. ولكن الجيش الليبي والقوى الأمنية الليبية باتت بالمرصاد لهذه الشرذمة التي تغذّت على مصادر ثروات الليبيين، والتي ساهمت بشكل كبير في تفقير الليبيين وحتى في تجويعهم. فعبد الحكيم بالحاج على سبيل المثال أصبح في ظرف سنوات قليلة ميليارديراً، وصاحب شركات أهمها «شركة الأجنحة للطيران»، وهو الذي كان قبل 2011، ملاحقاً من سلطات الأمن الليبية، ومصنّفاً شخصية إرهابية على المستوى العالمي. أما إبراهيم الجضران، فقد استفاد من حالة الفوضى التي تعم ليبيا، واستطاع تكوين ميليشيا، كانت تعتاش من تجارة النفط غير الشرعية، واستطاع أن يجمع ثروات طائلة من هذه التجارة، وذهب في ظنه أنه يمكن أن يكون أمير النفط في ليبيا.
المهم الآن أن الخطوة التي اتخذها النائب العام في ليبيا، هي خطوة في الاتجاه الصحيح، لأن لا أحد فوق القانون. ففضلاً عن التأثيرات القانونية لمثل هذا القرار، والذي يشمل أطرافاً ليبية أخرى، أهمها جماعة الإخوان الليبية، فإن هذا القرار، يشكل تغيّراً سياسياً قوياً في العاصمة طرابلس، يتماهى مع مزاج شعبي رافض لاستمرار الإخوان في التحكم في مصير الليبيين.
من المؤكد أن ردة فعل هذه الجماعات ستكون قوية، وستلجأ إلى عمليات دموية من أجل إشاعة الفوضى من جديد، ومن أجل عدم التوصل إلى تسوية سياسية، ولكن هذه الجماعات «فاتها القطار»، فعلى المستوى الإقليمي والعربي والدولي، فإنّ أحداثاً كبرى وقعت وأخرى ستقع قريباً، والاتجاه واحد، وهو إنهاء حكم الإخوان. وليبيا ليست جزيرة مغلقة بل هي في قلب هذه المعادلات الجديدة، وكلّ محاولة لرسم مستقبل ليبيا الجديدة، لن ينجح ما دام «ثوار الناتو» يمسكون بزمام الأمور على الأرض.
عملية تقليم أظافر الوحش الإرهابي في ليبيا، بدأت، ولا شيء سيوقفها في قادم الأيام. فعلى المستويين العسكري والسياسي، سنشهد جولات وصولات من قبل الجيش الليبي لإنهاء ظاهرة الانفلات الأمني، وسياسياً يتم التقدم في مشاورات من أجل إنهاء مسألة الدستور وتنظيم الانتخابات. وإقليمياً هناك دول دخلت على الخط، وهي تعطي الضوء الأخضر، لتصفية إرث الإخوان وسنواتهم العجاف.

belhedi18@gmail.com