فرنسا وأحفاد موسوليني

09-01-2019
مفتاح شعيب

إعلان وزراء شعبويين في إيطاليا، تأييدهم المطلق لاحتجاجات «السترات الصفراء» في فرنسا، يؤكد الفرضية القائلة بأن هذه التظاهرات يدعمها إن لم يكن يقودها اليمين الأوروبي المتطرف ضمن معركة يخوضها ضد القوى الوسطية التي ترفض الخطابات القومية وتؤمن بالمصير الأوروبي المشترك، وهو توجّه يواجه زعيماه الفعليان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل معارضة متعددة الوجوه والأهداف.
موقف بعض المسؤولين الحكوميين في إيطاليا لا يمكن الاستهانة به، فهو تدخل في الشؤون الداخلية لدولة جارة وتحريض يتجاوز حدود الدفاع عن حرية التظاهر والتعبير، وهو كلام قد يوجه إلى بلد آخر وليس إلى فرنسا، ولكن في السياق الحالي يعبر عن أجندة شعبوية تحاول التوسع والتمدد وتعيد هندسة القارة الأوروبية على أسس سياسية وجغرافية واقتصادية تنبع من أفكار قومية ضيقة. وبالعودة إلى التاريخ، فإن إيطاليا لعبت دوراً كبيراً في بدايات القرن الماضي في تأجيج الفاشيات الأوروبية. وبعد أن وصل بينيتو موسوليني إلى السلطة عام 1922 عبر تظاهرات كبرى لما سمي آنذاك ب «القمصان السود»، ساند بسخاء الحركة النازية الألمانية في معركتها للقفز على السلطة في برلين، كما دعم بالحماس نفسه الجنرال فرانشيسكو فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية. وإذا كان هناك من يؤمن بأن التاريخ لا يعيد نفسه، فإن الأحداث والمسارات يمكن أن تتشابه مع الماضي وتفضي إلى النتيجة نفسها في المستقبل، مع حفظ بعض الفوارق، طالما أن رجلين مثل لويجي دي مايو زعيم حركة «الخمس نجوم» وماتيو سالفيني رئيس «رابطة الشمال» يريان في «السترات الصفراء» كأنها «قمصان سود» لجدّهم في التطرف موسوليني.
الحظوة الإيطالية بالاحتجاجات الفرنسية، لا يعني بالضرورة أن كل المشاركين في «السترات الصفراء» هم من اليمين المتطرف، ولكن الشعبويين يريدون استمالة هذه الحركة ودعمها حتى تصبح عامل تغيير في الشارع، فعلى افتراض انزياح الوضع إلى فوضى تنال من استقرار الحكومة الفرنسية، فإن معسكر اليمين المتطرف سيكون هو المستفيد الأول. وربما لهذا الأمر شددت سلطات باريس من لهجتها الحازمة، وأعدت خطة لفرض الأمن والنظام وأعدت قوانين مشددة ضد المتظاهرين العنيفين. وتشير هذه «الترسانة القانونية» إلى أن هناك قلقاً رسمياً وأن لدى السلطات الفرنسية معطيات تفيد بأن الاحتجاجات المرتقبة ليست بريئة، خصوصاً في ظل التحريض الإيطالي الصريح، وقبله الدعم الأمريكي الذي عبر عنه الرئيس دونالد ترامب وأثار استياء فرنسا.
التداعيات المتوالية تؤكد أن الاتحاد الأوروبي مقبل على صراع بين معسكرين، كل واحد منهما يريد أن يضرب الثاني في مقتل. ومع أنه من المستبعد توقع لمن ستكون الغلبة في نهاية المطاف، إلاّ أن الحقيقة تظهر أن انقساماً أوروبياً بدأ يتعمق شيئاً فشيئاً، ربما لم يحصل منذ عقود طويلة، فحين تطالب فرنسا، الحكومة الإيطالية باحترام حق الجوار والاهتمام برفاهة شعبها ومشاكله قبل النظر إلى ما وراء الحدود؛ فهذا الخطاب له ما بعده، ومن الممكن أن يتطور إلى الأسوأ، ففي هذا الظرف كل الفرضيات قابلة للتحقق.

chouaibmeftah@gmail.com