نوع جديد من الحروب

09-01-2019
د.ناصر زيدان

توقيف ابنة مؤسس شركة هواتف «هواوي» الصينية والمديرة المالية للشركة، مينج دو شو، في مدينة فانكوفر بكندا في 8/‏12/‏2018، وأثناء انتقالها من طائرة الى طائرة أُخرى في المطار قاصدة المكسيك؛ سلَّط الضوء على حرب تجارية دولية، تُستخدم فيها أسلحة مدنية وقانونية متنوعة، تشمل احتجاز رجال الأعمال، وتهديد الدبلوماسيين، وتقييد الحريات العامة، وحقوق الإنسان في بعض الأحيان. وقد اعتبرت السلطات الصينية أن توقيف مينج مخالف للقوانين الدولية، خصوصاً أنه جاء بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية، بتهمة مخالفة مينج للقانون الذي يفرض عقوبات على التعامل التجاري مع الشركات الإيرانية.
ورغم عدم معرفتنا الدقيقة بتفاصيل وأسباب توقيف السلطات اليابانية لأكبر خبير دولي في صناعة السيارات كارلوس غصن، على ذمة التحقيق لأكثر من شهر؛ لكن الحادثة لا يمكن فصلها عن مسار الصراع التجاري الذي يدور في كواليس عمالقة التنافس على صناعة السيارات، ذلك أن غصن بذاته طالب بعقد جلسة محاكمة علنية أمام الإعلام، لمناقشة دوافع توقيفه، وقد يخفي هذا الطلب نية في كشف بعض الوقائع التي تتعلّق بالصراعات التجارية الدولية.
وفجأة تذكرت السلطات الصينية أن رجل الأعمال الكندي مايكل سيافور، يمكن أن يكون أضرَّ بالأمن القومي الصيني خلال عمله مع كوريا الشمالية، وقد تمّ توقيفه رهن التحقيق في الصين بعد حادثة توقيف مينج شو في كندا، ورغم إطلاق صراح مينج، مازال سيافور محتجزاً في الصين مع دبلوماسي كندي سابق، ويقول رئيس وزراء كندا جاستين ترودو، إنه «لا يملك أي معلومات عن سبب توقيفهما، وبلاده تسعى للحصول على تفسيرات عن سبب احتجازهما قبل أن تضطر الى الرد على هذه العملية».
من الواضح أن حرباً تجارية ساخنة تجري، خصوصاً بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، على الرغم من الهدنة التي أُعلنت بين البلدين إثر القمة التي عقدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الصيني جين بينج على هامش قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين نهاية نوفمبر/‏ تشرين الأول 2018.
وتتركز مواضيع الحرب التجارية الدولية على المنافسة في عدة منتجات، لاسيما منها إنتاج الهواتف الخليوية الذكية. ولهذه الصناعة أهمية بالغة من ناحية المردودات المالية، ومن ناحية التنافس على امتلاك مهارة الوصول الى المعلومات، ومنها المعلومات التي لها طابع أمني. وفي هذا السياق تقول شركة «هواوي» الصينية إن «حرباً غير عادلة تُشنُّ عليها على خلفيات تجسُسية»، علماً بأن الشركة لا تخضع للحكومة الصينية، وهي تعمل لأهداف تجارية فقط، لا غير.
الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها، خصوصاً، أستراليا ونيوزيلندا، منعت التعامل مع شركة «هواوي»، واليابان تدرس فرض حظر على إدخال منتجات «هواوي» الى السواق اليابانية.
وتقترب «هواوي» من الصدارة في بيع الهواتف الذكية وفقاً لإحصاءات نهاية الربع الثالث من عام 2018، بينما تراجعت مبيعات شركة «سامسونج» الكورية الجنوبية، ولم تتقدَّم شركة «أبل» الأمريكية العملاقة سوى بنسبة 0,7، وهي تشهد تباطؤاً كبيراً قياساً لتنامي سوق مبيعات الأجهزة الهاتفية الذكية في العالم التي وصلت خلال العام 2018 الى ما يزيد على 379 مليون جهاز حتى نهاية شهر سبتمبر/‏ أيلول الماضي.
وتتركز المنافسة حالياً في سوق الأجهزة الهاتفية الخليوية على تقديم منتجات متطورة لناحية تركيبة القطع من مواد قابلة للالتواء، تُشبه المواد المطاطية. ذلك لأن الجيل الخامس من هذه الأجهزة (جي 5) لا يبدو أنه سيوضع في الأسواق قبل العام 2020، وفقاً لتقديرات الوكالات المهتمة بهذا الشأن.
وخوف الولايات المتحدة الأمريكية من تنامي قدرات الشركات الصينية التقنية، دفع بها الى فرض قيود تجارية، وشن حملة دعائية ضد السياسة الصينية، خصوصاً في مجال تقييد الحريات العامة، وفي إخلالها بحفظ أمن وسلامة رجال الأعمال الذين يقصدون الأراضي الصينية، وهؤلاء معرضون للتوقيف بغطاء قانوني، وفقاً لما جاء في بيان الخارجية الأمريكية التي نبهت الأمريكيين إلى خطورة السفر الى الصين، من دون أن تمنعهم من هذا السفر.
والصين تقول إن سلامة الأجانب الذين يزورون الصين مكفولة من قبل السلطات المختصَّة إلا في حال مخالفة هؤلاء للقوانين المرعية الإجراء. والدعاية التي استهدفت الصين على خلفية احتجاز رجلي الأعمال الكنديين لها مبرراتها القانونية ليس إلا، كما تقول وزارة الخارجية.
من الواضح أن حرباً تجارية دولية قائمة بين عمالقة الاقتصاد في العالم. واهتمام الرئيس ترامب، وإلمامه بالقضايا التجارية يدفعان بهذه الحرب السلمية الى واجهة الاهتمام.