خريطة طريق للمستقبل

09-01-2019
نبيل سالم

الاحتفال بمرور خمسين عاماً على إطلاق عملية التنمية في دبي، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هو حدث يجب التوقف عنده، إذا أردنا فهم التجربة الإماراتية ككل، والتي أرسى أسسها الراحل الكبير والمؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بالتعاون مع إخوانه حكام الإمارات، والتي تمثل أنصع التجارب العربية في العصر الحديث، ذلك أن هذه المناسبة تعيدنا في الواقع إلى الأساسيات التي قامت عليها دولة الإمارات، وشكلت خريطة الطريق لهذه الدولة الفتية، في ولوجها ميدان الحضارة والتطور، فكما هو معروف، مثّل قيام الاتحاد بين الإمارات في عام 1971م رداً طبيعياً ومناسباً، على التحديات السياسية والاجتماعية التي خلفها الانسحاب البريطاني من المنطقة في أواخر الستينات من القرن الماضي.
ومن يتابع مسيرة الإمارات عن كثب، يمكنه من دون أي عناء تلمس هذه الحقيقة التي آمنت بها القيادة الرشيدة في هذه البلاد، منذ اللحظات الأولى لبزوغ فجر الاتحاد، الذي طوى عملياً مرحلة مظلمة من تاريخ الإمارات، في ظل الانتداب البريطاني، وما سبقه من احتلالات أجنبية.
وكواحد من القادة الذين عاصروا تلك المرحلة المهمة والمفصلية في تاريخ الإمارات، يكشف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عن المبادئ الثمانية التي حددها للحكم والحكومة في دبي، والتي تحدد عملهما في الإمارة، كواحدة من الإمارات السبع، التي تشكل عقد الاتحاد الميمون.
وفي تعليقه على الذين شاركوه فرحة المناسبة بمرور خمسين عاماً على توليه أول مناصبه الحكومية في ظل دولة الاتحاد، يترجم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، المبادئ التي قام عليها صرح الاتحاد بتقديمه الضمانات بأن يزيد القادم من الأيام إصراره على متابعة خدمة الوطن، والإبداع في العمل، موضحاً أن الخمسين عاماً التي وهبها لوطنه، أعطته خبرة، وشيئاً من الحكمة وكثيراً من المحبة، واعداً بالكثير من المنجزات، على طريق التطور الحضاري المبهر الذي تشهده الإمارات العربية المتحدة.
وفي قراءة للمبادئ الثمانية التي وضعها للحكم والحكومة في دبي، يبين، ما يمكن تسميته خريطة طريق للمستقبل الذي يهدف إلى الحفاظ على منجزات الاتحاد، واستمرار مسيرة العطاء، مؤكداً أن مبدأ «الاتحاد هو الأساس» يمثل أول المرتكزات الثمانية التي حددها، والتي دعا من خلالها الجميع إلى الالتزام بمسؤولياتهم، مهما كانت الظروف أو تبدلت الأحوال أو تغيرت الوجوه، فيما يمثل مبدأ «لا أحد فوق القانون» المبدأ الثاني، الذي يليه مباشرة مبدأ «نحن عاصمة الاقتصاد»، في حين يحتل مبدأ «النمو له محركات ثلاثة»، الذي ينص على أن نمو دبي تقوده 3 محركات هي حكومة ذات مصداقية ومرونة وتميز وقطاع خاص نشط وعادل ومفتوح للجميع، بالإضافة إلى قطاع شبه حكومي ينافس عالمياً ويحرك الاقتصاد محلياً المرتبة الرابعة. كما يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على الشخصية المتفردة للإمارات، من خلال المبدأ الخامس وهو «مجتمعنا له شخصية متفردة»، الذي يؤكد مميزات مجتمع دبي المتمثلة في كثرة العمل وقلة الجدل والانضباط والالتزام.
وتبدو النظرة الواقعية للأمور، ومحاولة استشراف المستقبل، واضحة في المبدأ السادس وهو بعنوان «لا نعتمد على مصدر واحد للحياة»، الذي ينطلق من أن التنويع قاعدة في دستور دبي غير المكتوب منذ عام 1833. ذلك أن التنويع في مصادر الحياة، يمثل عامل قوة كبيراً في اقتصاد أي مجتمع.
ويبدو اهتمام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بالمبادرات الإيجابية وتشجيعها واضحاً من خلال المبدأ السابع تحت عنوان «دبي أرض المواهب» لاسيما وأن مسيرة إمارة دبي في التطور قامت على الموهوبين من التجار والإداريين والمهندسين المبدعين والحالمين، الذين ساهموا في حركة البناء والازدهار الحضاري الذي تشهده إمارة دبي، في ظل الاتحاد.
ويقودنا المبدأ الثامن الذي جاء تحت عنوان «نفكر بالأجيال»، الذي ينص على عدم ترك مصير الأجيال القادمة مرهوناً بتقلبات السياسة الإقليمية ودورات الاقتصاد العالمية، إلى فهم السياسة التي تعتمد على الحفاظ على الأجيال اللاحقة، باعتبارها المخزون الأساسي الضامن لاستمرار مسيرة البلاد الحضارية، وهي مسيرة قامت في الأساس على فكرة أن الإنسان هو الأهم في عملية التطور الحضاري، فالإمكانات المادية تبقى بلا معنى، ما لم يكن هناك إنسان واع يحكّم عقله ويستخدمه لما فيه مصلحة المجتمع، وهو ما يعيد إلى الأذهان قول الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأن الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والنفط، ولا فائدة في المال إذا لم يسخر لخدمة الشعب.
إن ما تشهده الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، يمثل أنموذجاً مشرقاً ليس على مستوى المنطقة وإنما عالمياً، وإن كل هذه الإنجازات الحضارية ما كانت لتقوم، لولا التصميم والإرادة القويان، لأبناء الإمارات في ظل قيادة مخلصة، تعمل بلا كلل لتوفير مستقبل زاهر للأجيال القادمة.

nabil_salem.1954@yahoo.com