إلى أين مستودعات التراث؟

08-01-2019
عبداللطيف الزبيدي

هل يتجدد التراث بتجديد النظرة إليه؟ إذن، أجيال تاريخنا لم تجدّد دماء الأفكار الرائدة في تراثنا؛ لهذا لم يكتسب حيوات متجددة عبر العصور، ولهذا نحن وميراثنا معاً غرباء عن زماننا.
كل تراث يتكوّم على مدى القرون في عنابر الماضي، فأهله قد ظلموه بأن فرضوا عليه الرفوف، صار بلا روح، يتوارى عن الحضور على المسارح الفاعلة. مستقبل ميراثنا غير سارٍّ البتة. في نهاية هذا القرن، ستكون العربية قد طرأت عليها تحولات بفعل تطورات لغة العلوم والتقانة، تجعل من العسير القدرة على قراءة قمم تراثنا الأدبي، مثل«رسالة الغفران»، واستخراج الأفكار الرائدة التي كان بالإمكان أن تكون إضافات رائعة إلى الحضارة الإنسانية. المعري بمفرده أستاذ نقد، معلم حرية تعبير، قمّة نظرات أممية وإنسانية، ما يتبوأ به مكانة عالمية خالدة. المضحك هو أن لغة السيف أيضاً تخلينا عنها.
حال ميراث البلدان التي تقدمت، لا يشبه ما فعلته الأجيال العربية بتراثنا؛ الفلسفة اليونانية ظلت تتجدّد وقامت عليها فلسفات ألمانية وفرنسية وإنجليزية.. الموسيقى اليونانية التي لها روافد من مصر ووادي الرافدين، كانت أساساً لصروح الموسيقى السيمفونية الأثرى في التاريخ.
المسرح أنجب مسارح، ومع الموسيقى أنجب الأوبرا. الحدادة أضحت صناعات ثقيلة. السيف صار دبابة ومدفعاً وصواريخ وأساطيل بحراً وجواً. الزراعة أمست حقول قوة سياسية تقتل وتُحيي؛ تربية دواجن وأسماك وماشية، ثروة حيوانية تحصيها مئات الملايين. لو ظهر قارون اليوم لغدا وضعه في ذيل الأثرياء نكتة من مجلة «فوربس».
هذه حبة من طامور، فالفلسفة بمحركات الفكر والأفكار كوسائط نقل للمعارف، تفرعت منها علوم إنسانية شتى، ولكونها بحثاً علمياً منهجياً أفادت منها العلوم. أين اليوم علم الفلك المفعم بخرافات التنجيم، من الفيزياء الفلكية ذات الحواسيب العملاقة والمسابر والمركبات والمناظير؟ كيف صار أكبر كبير (الكون) محتاجاً إلى أصغر صغير (الجُسيْم كالإلكترون) لتفسيره؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الانقيادية: هم صنعوا من تراثهم مارداً ليأكلنا، وصنعوا لنا من تراثنا مارداً (داعش) ليمزّقنا.
abuzzabaed@gmail.com