«فوبيا» جديدة

08-01-2019

د. حسن مدن

أدخلت وتُدخل الحياة الحديثة أنواعاً جديداً من الرهاب «الفوبيا»، لم يعرفها أسلافنا. وتبدو بعض صور الرهاب الحديثة ضريبة لا بد منها، على ما يبدو، للتحولات التي طرأت على حياتنا بفضل الاكتشافات الجديدة، التي أعادت صوغ طريقة عيشنا، وهي اكتشافات جعلت الحياة أسهل وأسرع إيقاعاً، ووسمت هذه الحياة بصفة الاتصال غير المسبوق أبداً بين البشر، وهو اتصال عابر للقارات والمسافات وحتى الوقت.

لسنا أحراراً تماماً في مواجهة رهاب جديد، أطلق عليه الدارسون اسم «نوموفوبيا» Nomophobia، وهو اختصار لتعبير ( no-mobile-phone phobia )، والمقصود به الخوف من فقدان الهاتف المحمول، أو فقدان الاتصال بهذا الهاتف، كأن نكون في مكان لا تتوفر فيه شبكة الإنترنت، أو أن بطارية الهاتف قد فرغت ولا سبيل لشحنها مرة أخرى، لأن الشاحن غير متاح بأيدينا.

الحق أن هذا المصطلح ليس جديداً تماماً، فقد جرى تداوله قبل عشر سنوات على الأقل، حتى أن موسوعة «ويكيبيديا» تخصص تعريفاً وافياً له، لكنه لم يكن شائع الاستخدام بعد، رغم أن غالبية البشر مصابون به بنسب متفاوتة. ومؤخراً سلّطت الأضواء عليه مجدداً حين قررت موسوعة «كامبريدج»، اختيار الكلمة لتكون كلمة العام المنقضي 2018، ما يعني أن هذا سيمنحه قابلية أكبر للتداول كمصطلح يمكن وصفه بالعلمي لتشخيص حال يمكن أن يعتبرها بعض علماء النفس حالاً مرضية، ولعلها كذلك بالفعل.

حسب بعض المواقع الإلكترونية، فإن ما نسبته 60% وأكثر من مستخدمي الهواتف المحمولة في بريطانيا وحدها يعانون من ال«نوموفوبيا»، حيث يصابون بالهلع من فكرة ضياع هواتفهم المحمولة أو فقدان الاتصال بها، ولو لثوانٍ معدودة، وأن هذه الظاهرة تزداد بين فئة الشباب من عمر 18 إلى 24 عاماً. وبيّنت بعض الدراسات أن النساء بتن مهووسات بفقدان هواتفهن أكثر من الرجال.

يمكننا الموافقة على ألا مبالغة في النسب المعطاة، حين نراقب عدد المرات التي يتفقد فيها الواحد منا هاتفه المحمول في اليوم الواحد، وهي مرات تعد بالعشرات، وربما تفوق العشرات أيضاً تبعاً لدرجة تعلق المرء بهاتفه. ويبلغ الإدمان على ذلك حداً يجعلنا منشغلين بما يرد على هواتفنا من رسائل عبر العدد الكبير من التطبيقات التي يحتويها، حتى ونحن على رأس أعمالنا أو في محيط من الأصدقاء وأفراد العائلة.

بهذا المعنى يبدو الرهاب الجديد قرين صورة من صور العبودية الجديدة، هي عبوديتنا لهذه الهواتف التي ترافقنا حتى أسرّة نومنا، فلا نملك منها فكاكاً.

madanbahrain@gmail.com