مصالحة جنوب السودان

08-01-2019
فيصل عابدون

يسود القلق الشديد أوساط الطبقة السياسية والطبقات الشعبية في جنوب السودان، إزاء مستقبل الاستقرار في الجار الشمالي على خلفية موجة الاحتجاجات التي اندلعت في مدن عديدة وشكلت تحدياً جدياً ربما هو الأقوى من نوعه لاستقرار الحكم في ظل أزمة اقتصادية عميقة ومتفاقمة ومنفلتة وعصية على الحل رغم كل المقاربات التي تحاول تهدئة تداعياتها الخطرة.
وبالنسبة لقادة جنوب السودان، فإن هناك العديد من القضايا على المحك وفي مقدمتها قضية المصالحة الوطنية بين حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت وزعيم حركة التمرد الرئيسية رياك مشار، والتي توسطت فيها الحكومة السودانية وقدمت نفسها ضامناً لالتزام الطرفين بتنفيذ بنود اتفاق اقتسام السلطة.
وترتبط قضية المصالحة الوطنية مباشرة بقضية الوضع الاقتصادي المتردي في كلا الدولتين. فعلى خلفية اتفاق المصالحة ودور الخرطوم النشط في إتمامها تكمن البنود التي تم التوقيع عليها بين حكومتي الدولتين والخاصة باستئناف استخراج النفط وتكريره وتصديره إلى الأسواق العالمية ثم اقتسام عائداته. وربما يفسر هذا الاتفاق بالذات صمود الاتفاق السياسي بين سلفاكير ومشار على عكس الاتفاقات السابقة الموقعة بين الطرفين والتي سرعان ما تنهار وتدور طاحونة المعارك الدموية.
ويعالج اتفاق استئناف تصدير الخام مشكلة حكومة جنوب السودان التي يعتمد دخلها القومي بنسبة 90 في المئة على عائداته. كما أنها تعالج مشكلة المتمردين الذين تخلى عنهم الحلفاء وباتت خزائنهم خاوية. وفي ذات الوقت يعالج الاتفاق المشكلة المزمنة للضامن الشمالي الذي استحكمت أزمته الاقتصادية بعدما خسر مكتسباته من نفط الجنوب في أعقاب استفتاء تقرير المصير.
وفي تعبير نادر عن القلق الرسمي إزاء التطورات الراهنة قال سفير جنوب السودان بالخرطوم، ميان دوت، إن جوبا تتطلع لاستقرار الأوضاع في السودان. وأكد أن التظاهرات لم تؤثر في إنتاج وتصدير النفط. وأشار السفير إلى أن الرئيس سلفاكير، أبلغ الرئيس البشير موقف جوبا الراغب في أن يكون هناك استقرار في السودان، واستقرار على الحدود.
لقد قطعت المصالحة بين قادة جنوب السودان شوطاً بعيداً في إطار الرهان على حصول كل طرف على نصيبه من عائدات النفط. وشرعت المعارضة المسلحة في تجميع قواتها في عدد من الولايات والمقاطعات، تنفيذاً لاتفاق الترتيبات الأمنية التي تنتهي بإعادة هيكلة الجيش الحكومي وإدماج المجموعات المسلحة في صفوفه. ومن جانبه عقد الرئيس سلفاكير اجتماعاً مع أنجلينا تيني، رئيسة اللجنة الأمنية التابعة لحركة التمرد وزوجة زعيم الحركة رياك مشار. كما اجتمع سلفاكير مع مجموعة المعتقلين السياسيين السابقين بقيادة ريبيكا قرنق زوجة زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق. وأكدت ريبيكا في أعقاب الاجتماع حرص مجموعة المعتقلين السياسيين على تنفيذ اتفاقية السلام، ودعت إلى دعم شعبي للعملية الجارية. وجاءت الاجتماعات في إطار التطبيع وجسر هوة الثقة بين الأطراف.
لكن كل هذه الخطوات تبقى رهينة بالمسارات المحتملة للأوضاع في الجانب الآخر من الحدود. هناك أيضاً لاجئون من كلا الدولتين وعلى أراضي كلا البلدين. غير أن هذه كانت لتصبح هينة إذا نجحت المصالحة في جلب الاستقرار ووفر النفط الرفاهية للسكان. لقد أصبحت احتمالات تحقق كل ذلك... مثيرة للقلق.

Shiraz982003@yahoo.com