الإدارة العصرية الرشيدة مفتاح للتنمية

08-01-2019
محمود الريماوي
«لدينا فائض من السياسيين في العالم العربي ونقص في الإداريين». بهذا تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في أغسطس/آب، من العام الماضي 2018، ويعكس هذا التصريح جانباً أساسياً في رؤية سموه للتنمية الشاملة، وللمأزق الذي يعيشه العالم العربي نتيجة القصور الشديد في برامج التنمية ومضامينها وسبل تنفيذها، وبحكم طغيان الاعتبارات السياسية على ما عداها من مقتضيات الارتقاء.
ولما كانت الإدارة علماً يجمع بين التخطيط والتنظيم والتنسيق والتقييم والابتكار، وتحديد الأهداف واستشراف المستقبل ومحاكاة النماذج المتقدمة ابتداء، واستلهام روحها الإيجابية، قبل الانتقال إلى ابتكار رؤية إدارية خاصة تنسجم مع الواقع والبيئة، لما كان الأمر كذلك؛ فإنه مما لا شك فيه في ضوء الإنجارات الهائلة التي تحققت أن الرؤية الإدارية التي تمتعت بها إمارة دبي والإمارات عموما، هي في جوهرها رؤية تنموية خلاقة تستند إلى حسن استثمار الموارد البشرية والطبيعية، ومواكبة العصر مواكبة حثيثة، توطئة للمشاركة في إنجازاته، والدخول في رهاناته المستقبلية، وهو ما حدث بالفعل خلال بضعة عقود، فيما شهدت عشرات الدول في الحقبة ذاتها تقهقراً متعدد الأوجه، علماً أن بعضها يتوفر على ثروات طبيعية هائلة، فضلاً عن الثروة البشرية المهدرة.
وبينما اقترنت الإدارة مفهوماً وواقعاً لدى العديد من الدول النامية، بالبيروقراطية في أكثر أشكالها تخلفاً وإعاقة، وبالتسابق نحو احتلال كراسي المديرين ومن هم في حُكمهم، مع الفصل بين الإدارة وبين ضرورات التنمية وآفاقها، وقصرها على العمل المكتبي المتسم بالروتين، وغياب حس المبادرة والمسؤولية الاجتماعية، فقد اتسمت رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد للإدارة بالربط بينها وبين التطوير، وإطلاق الفرص والتحفيز على البحث العلمي والابتكار، وحسن استغلال الموارد، وإجادة استثمار عامل الوقت، وتأهيل الموارد البشرية، وإشاعة التنافس الإيجابي القائم على الإنجاز والتطوير، وبث قيم وطنية قائمة على أن من يحب وطنه حقاً، هو من ينجز في مجاله بصورة أفضل،.
وبهذه الروح الخلاقة نشأت أجيال تؤمن بقيمة العمل وتطويره، والتطلع إلى أفضل نماذج عصرنا في البناء والتنمية لمواكبتها، وتحقيق إنجازات ملموسة تضع البلاد على خريطة الدول السائرة على طريق النمو، ثم في مصاف الدول المتقدمة ذات الإشعاع والرؤية المستقبلية.
وفيما عكفت بعض الدول على استثمار مورد رئيسي لها، مكتفية به لتحقيق إنجازات في الداخل وبناء استثمارات في الخارج، فقد انطلقت رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، من أهمية استكشاف الفرض والموارد الكامنة والمتاحة، وعدم الاعتماد على مورد واحد أياً كانت أهميته، بتنويع الموارد والانفتاح على العالم، ورفض الرؤية الانعزالية التي تقوم على الاعتقاد الخاطئ ب«أننا لسنا في حاجة إلى غيرنا»، وواقع الحال يقول إن التقدم البشري يقوم على الاعتماد المتبادل، فحتى أكثر الدول تقدماً وتصنيعاً، بحاجة إلى أسواق وإلى يد عاملة وفيرة قد لا تتوفر لها.
وقد كان من منطلقات رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بناء مطار دبي في وقت مبكر، جنباً إلى جنب مع بناء ميناء جبل علي وتطويره، وها هو مطار دبي وميناء جبل علي يحتلان مركزاً عالمياً متقدماً بين المرافق المماثلة على مستوى العالم، ويمثلان وجهة تجارية واستثمارية وسياحية مفضلة لدى ملايين الشر وآلاف الشركات والمؤسسات، فضلاً عما رفد به الميناء والمطار عوامل الازدهار في دبي وعموم الإمارات، علاوة على مرافق مماثلة أنشأتها الدولة في سائر الإمارات.
وبينما انحصر مفهوم الاستثمار لدى البعض في إقامة أنشطة وحيازة ممتلكات في الخارج، فقد تعدت رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذا النطاق الضيق إلى جذب الاستثمارات الأجنبية إلى دبي وسائر البلاد، مع تحفيز الاستثمارات الوطنية في الداخل، مع اتباع أحدث وسائل التقنيات وأكثرها تطوراً، وصولاً إلى مفهوم الحكومة الذكية، وتشجيع الأجيال الجديدة على اكتساب المعرفة على أوسع نطاق وبأكثر الوسائل جاذبية وفاعلية.
بهذه الرؤية المتكاملة أمكن لدبي وعموم الإمارات، إنجاز ما أنجزته في وقت قياسي، وأن تصبح مركز جذب متعدد الأوجه، وقبلة للسياحة والاستثمار والمعرفة، في وقت لم تقتصر فيه الجهود على البناء العصري الشامل في الداخل؛ إذ امتدت الرؤية إلى إطلاق مبادرات تنموية مجتمعية عبر مؤسسة محمد بن راشد الإنسانية، التي اتسعت خدماتها لتشمل البنى التحتية من مدارس وشوارع ومستشفيات وكهرباء، وتوفير مياه الشرب، وتدريب الآلاف وتمكينهم من تطوير مجتمعاتهم، وهي مشاريع انتفعت بها وما زالت عشرات الدول في مشارق الأرض ومغاربها، واستفاد منها ملايين البشر.

mdrimawi@yahoo.com