هل أصبح أسبوع دبي 8 أيام؟

07-01-2019

نسيم الخوري

سؤال عفوي جميل قرص انتباهي وذكائي بحدّة، واستراح برأسي متشبّثاً بمقالتي.
يمكن طرحه على صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.
فعلاً. لماذا الرقم 8 وليس الرقم 7 مثلاً عند ترقيم المبادئ والأسس التي أعلنها وقامت عليها دبي؛ إذ بلغ تجربته التنموية الخمسين، وتلقّفها العالم، ويمضي سموّه موصياً بثمانية مبادئ تاريخية، ولكلّ من يتحمّل مسؤولية الالتزام بها ووضع الآليات المناسبة؛ لضمان استمرارها مهما كانت الظروف أو تبدّلت الأحوال أو تغيّرت الوجوه؟.
لا يدرك الجواب إلاّ سموّه في لاوعيه المتيقّظ. استقبلني في ال2006، وقسماته مسكونة بمدلول الرقم 8 في الحكم والحكومة والحكّام، وكذلك منجزاته وأفكاره وأحلامه. وفي زمن تترهّل فيه معظم الدول ويقلق حكّامها في العالم، كان بودّي أن أطرح الأسئلة العديدة حول تلك المبادئ الثمانية فأختصرها في واحد: هل الذهاب إلى الثمانية هو نوع من الإسقاط الجديد الذاتي لشخص سموه؟
تسهيلاً لسريان الحبر في المجال، خلدت مجدّداً إلى فلسفة الأرقام التي بنيت عليها النصوص، منذ أن حكّت الهند أو اليونان رأسها بحثاً عن الحكم الصالح. رمية رائعة أستعيدها لأهميتها بكلمتين: خلق اليوم السابع للراحة بعد الاكتمال في نصوص التكوين وأدبياته وأساطيره الرائعة. وإنّ سبعاً عدد أيام الأسبوع، والعجائب في الدنيا، والبحار، والمعادن الرئيسية، وعدد أنواع النجوم والألوان والأنوار ودرجات السلّم الموسيقي الخارج من مزمارٍ قصبٍ يغنّي فوق شفتي الخليج.
يغريني هذا الإسقاط بغناه وصدقيته. وأذكّر بأنّ الرقم 8 يعلن الرقم سبعة وقد بلغ رشده. هو كمال الاكتمال والقضاء والقدر الذي يتعذّر تغييره، كما جاء في الكتب السماوية. له مدلول عظيم من المبادئ يفضي بك إلى «البرَكَة الثانية الكبرى»، ويرشدك إلى طينة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وقد خلقت لذاتيات الصنع وتلقائيات العطاء. لا يكتفون من توليد الأفكار والمشاريع بما يتجاوز فصل الأرقام الذي أعيا الفلاسفة، وأيقظ الصفر حديثاً في عالم الذاكرة الآلية التي تقبض على عقول البشر اليوم بالتواصل والتسابق والكشف عن عالمٍ هو بحاجة ملحة دائمة إلى الكشف. الذهاب نحو الثمانية، وفقاً لما هو أمامي من مبادئ وأسس، يتطابق مع صفات هذا الرقم الذي يختزن التميّز والاختلاف عن الأقران من البشر. هو رمز العدالة البشرية في العقل الإغريقي؛ بسبب قسمته المتساوية للأعداد المنقسمة على اثنين في غير باقٍ. هو زحل كوكب الطموح والقوانين منه تخرج مفاتيح الكنوز. كان نوح الثامن بعد آدم بالتسلسل. وعبر الثمانية يأسرك الطامحون وأصحاب الطاقات الكبيرة المسكونون بالجدّ والاجتهاد والمثابرة والنجاح والاستقلالية وروح المنافسة، والمتميزون بالكرم الروحي والثبات. يتابعون ويسهرون للحصول على ما يبتغون، متجاوزين العقوبات والمصاعب مهما عظمت. وتبدو إدارة الأعمال وشؤون الآخرين سهلة عليهم؛ إذ تصعب على غيرهم، وديدنهم تحقيق الرفاه والخير لمن حولهم وكذا لمن يحبل بهم المستقبل. يرشدك الرقم 8 إلى أبواب الجنّة الثمانية، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. سبق لي أن نشرت مقالاً في صحيفة الخليج (6/ 3/ 2016) بعنوان: «شابّة هتفت من دبي بالإنجليزية: I found my paradise أي عثرت على جنّتي».
تكمل دبي، والاتحاد الاكتمال؛ إذ يبدو الحاكم والإنسان في الإمارة يحلّ محلّ الحياة، ويتصالح نهائياً مع الزمان وأعبائه، في حيّز موضوع الحقوق والرخاء والسماح والسعادة، أي في العصر المتجاوز لوتائر الأزمنة الثقيلة المنتشرة في وضع الدساتير والخطط. إنّ ما هو مطلوب ومستهدف هناك هو الحياة المثلى التي تتجاوز الحقوق بتقديس الحقوق والواجبات، وتبتعد عن الصراعات العارمة في العالم، مع أنّ هذه الصراعات تصاغ في الكثير من الدول وبين أيدي الحكام الآخرين والخبراء، في عبارات ونصوص حقوقية خانقة أحياناً للمجتمعات. هنا تبرز دبي أمامي إمارة الحق في الحياة، والاستمتاع بالعمل، والحق في السعادة والصحة والحاجات، أي الحق العام الذي أهملته الكثير من الأنظمة الكبرى البشرية والكلاسيكية.
عندما تقترن السلطة بالمستقبل، وتنشر في الخمسين مبادئها مثلما تعلن دبي، تتخطّى في أن تكون علاقة قوّة وتنظيم يحدّد شكل الدولة. ما هي هذه السلطة؟
لا نتكلّم هنا عن السلطة كممارسة، بل عن السلطة المقرونة بالمعرفة واليقظة الدائمة، التي لا تحيل الناس أبداً إلى ذوات شاردة متحلّلة من أي ارتباط بالسلطة، بل لأنّ السلطة بالمقارنة مع المعرفة، تولّد الحقيقة الجميلة التي يمكن أن تراها، وهي تدفعك نحو الاطمئنان. ويصبح المواطن مرتبطاً بوطنه ومعرفته، متقمّصاً الحيز النظيف من هذه السلطة المتوزّعة كما القربان المقدّس على المواطنين؛ حيث تتراكم الأحلام والحقائق والمنجزات والرخاء العام.
drnassim@hotmail.com