في رحلة إلى الصحراء لخّص الشيخ محمد الحكاية

07-01-2019

سليمان جودة

القصة في مجملها هي قصة من قصص الرهان على الإنسان، وهي لهذا السبب تستحق أن تظل تُروى في المحافل على الناس في حوار صحافي موسع، ذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أنه قد جاء عليه يوم تلقى فيه طلباً من العقيد القذافي، يرحمه الله، بنقل تجربة دبي إلى ليبيا، وإقامة مدينة مماثلة هناك على الأراضي الليبية!
وفي التفاصيل أن سموه رحب بالطلب، وأن خبراء مختصين في دبي سارعوا بتعليمات منه إلى ليبيا؛ بهدف تحقيق رغبة العقيد، وأن القصة في محصلتها الأخيرة لم تتجاوز مرحلتها الأولى لأسباب كثيرة، أهمها أن الأجواء التي كانت محيطة وقتها بالقذافي، لم تكن مُسعفة، ولا مشجعة، ولا كانت تغري بنقل التجربة من دبي إلى حيث أراد وتمنى صاحب القرار الليبي!
ومما أتابعه ويتابعه غيري في المنطقة، سوف يتبين بسهولة أن رغبة العقيد القذافي لم تكن شيئاً فريداً يخصه، ولا كانت حلماً عنده هو وحده، ولكنها كانت ولا تزال أمنية موجودة لدى أكثر من حاكم عربي، وكانت ولا تزال أملاً قائماً في أعماق أكثر من حكومة عربية تتطلع نحو دبي في كل صباح، ثم تتساءل في حيرة: كيف تسنّى لهذه الإمارة المضيئة أن تصل إلى ما وصلت إليه من نجاح ومن إنجاز؟ ومتى نحظى بمثلها على أرضنا؟ وماذا بالضبط ينقصنا ليكون ما عندنا شبيهاً بها؟
ولو شاء الذين أرادوا مدينة شبيهة بدبي عندهم، ولو أنصفوا، لأدركوا أنها غير قابلة للنقل، ولا للانتقال.. قد تكون قابلة لأن تكون موضع إلهام، ومحل إيحاء، ومصدر إشعاع، وأرضاً للتأمل في تفاصيل التجربة وفي مساراتها، فالمدن من هذه النوعية لا تنتقل إلى غير أرضها.
إن قصة دبي، هي قصة حاكم راهن على الإنسان، على مستوى إمارته، وفي حدودها، ثم بالطبع على مستوى بلده كله في الإجمال، بإماراته السبع التي ترقد على شاطئ الخليج.. هي قصة رجل آمن بالإنسان في الإمارات وفي دبي معاً، ثم راح يراهن عليه، وكان أن كسب الرهان في نهاية المطاف، وفي نهاية كل مطاف، ولا يزال يراهن عليه، وفي كل مرة يكسبه ويراهن من جديد!.
كان هذا هو يقين الشيخ محمد في الإمارات على وجه العموم، وقد كان يعمل على أساس من هذا اليقين، وهو عارف بأن يقينه يمثل الذهاب إلى الهدف من أقصر طريق، وأنه بمثابة الخط المستقيم الذي يصل بين نقطتين في علم الرياضيات، ويوصف في العادة بأنه أقصر الخطوط بين النقاط!.
وقد روى الشيخ محمد في كتاب صدر له في مايو الماضي، أنه كان ذات يوم مع رفاق له في رحلة إلى الصحراء، وأنه خلال جلسة معهم راح يتطلع إلى الصحراء الممتدة أمامه وأمامهم ويسألهم: ماذا ترون أمامكم؟!.. يروي أنهم تبادلوا النظر إليه في دهشة، ثم ردوا بما يعني أن ما يسألهم عنه ليس سوى مساحات بلا حدود من الرمال، ومن الجفاف، ومن اللاحياة.. ولاشيء سوى ذلك فيها!.. غير أنه فاجأهم فقال: ما يبدو لكم رمالاً جافة بلا حياة، هو أفق حافل بالفرص الكبيرة.. أشار لهم من جديد، وقال: هذا أفق لا يزال بكراً، ولأنه كذلك، فهو في انتظار إنسان يعرف كيف يجعله يبوح بالأسرار الكامنة فيه، وما لم يكن هذا الإنسان هدفاً للاستثمار في كل وقت، فسوف تبقى صحراؤه من حوله أفقاً من الرمال، ومن الجفاف، ومن اللاحياة!.
كان هذا على مدى عقود خمسة من الزمان، هو إيمانه في الإمارات، بوصفه نائب رئيس الدولة، وفي دبي باعتباره حاكماً على رأس الإمارة، وبحسبانه صاحب عقل في الأول وفي الآخر.. وهكذا، فالقصة في مجملها هي قصة من قصص الرهان على الإنسان، وهي لهذا السبب تستحق أن تظل تُروى في المحافل على الناس!.
soliman.gouda@gmail.com