محمد بن راشد.. المؤسس الحداثوي

07-01-2019

ناجي صادق شراب

يصعب أن تختزل قيادة بحجم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في كلمة واحدة، فهو قائد وحاكم وفيلسوف وعالم وشاعر ومؤسس وفارس ورياضي. وقبل كل هذا هو الإنسان الحاكم، فصفة الإنسانية والخيرية تسبق صفته كحاكم. والقائد الحاكم لا يحسب بعدد السنين التي حكمها، فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وعلى مدى خمسين عاماً من حجم الإنجازات فاق هذه السنين الخمسين. والنموذج الذي قدمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، هو الحكم بالإنجاز والمبادرة والرؤية السياسية. ومنذ البداية أدرك أن القيادة ليست فرداً، وأن الرؤية والإنجاز والمبادرة لا تكتمل إلا بالمشاركة الجماعية، وبتوليد مفهوم القيادة الرشيدة، ولذلك فمفهوم القيادة لديه أن كل مواطن هو قائد. وهنا تستوقفني مقولة من مأثوراته:الحفاظ على البيئة هو حفاظ على أهم ثرواتنا، والاستثمار فيها هو أغلى ما نملك.
هذه المقولة تذكرني بمقولة المؤسس الأول الشيخ زايد طيب الله ثراه، عندما قال الإنسان أعظم استثمار. وهذا الاستثمار في الإنسان يحتاج لبيئة محفزة على الإبداع والإنتاج. والبيئة هنا بالمفهوم الشامل بمعنى البيئة الصحية والتعليمية والثقافية والفكرية. فكانت مبادراته العديدة في هذه المجالات بتحسين الأداء الصحي، وتطوير المناهج التعليمية التي تساير الثورة الصناعية الرابعة والثورة الرقمية. وهذا ما رأيناه في الموازنة الأخيرة لإمارة دبي التي بلغت أكثر من خمسة عشر مليار دولار، وهي الأكبر في تاريخ الإمارة، وهي موازنة تعادل موازنات دول كثيرة. ولو نظرنا لكيفية توزيع أبواب هذه الموازنة لرأينا كيف أن مقولته عن بيئة التنمية لم تكن مجرد مقولة لفظية، فهي بالنسبة له برنامج عمل وخدمات وبنية تحتية. وكما يقال في السياسة العبرة بالنتائج، وهنا نحن عندما نتحدث عن خمسين عاماً قد تبدو المقارنة مطلوبة واستحضارها ضروري الآن، كيف كانت إمارة دبي، وكيف أصبحت الآن. وعليه القيادة والإنجاز لا حدود لهما، إنهما عملية تراكمية من الإنجاز المرتبط بالحاضر والمتطلع للمستقبل.. وهنا نتذكر الرقم مليار وهو رقم الزائر لإمارة دبي.
اليوم إمارة دبي تسابق الدول المتقدمة والعواصم العالمية في بنية الخدمات. ولعل ما يلفت النظر في تجربة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد التنموية هو تحديث الجهاز الإداري، وتسخير الثورة الرقمية لخدمة المواطن. في العواصم العالمية الخدمة الحكومية تأتي للمواطن وهو جالس في بيته، هذا نموذج نجده في دبي.
لقد أدرك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن التنمية ليست مجرد مبان أو طرق أو أبراج أو مشاريع على أهميتها، ولكنها أيضاً منظومة من القيم، فلا قيمة للتنمية إذا لم تتوفر لها بيئة من القيم. فكانت المبادرات في مجال التسامح ومنتديات الحوار الفكري وحوار الأديان والثقافات. فالقيادة لديه لا تعني المحلية بل التطلع للعالمية، والعالمية لها معاييرها التي تتجاوز الحدود الجغرافية الضيقة، وكان الشغل الشاغل لسموه كيف يمكن أن تتحول إمارة دبي لنموذج للمدينة العالمية التي تستقطب السياح والزائرين والمستثمرين، وكيف يمكن أن تتحول لمقر لكبريات الشركات العالمية. وهذا لا يتم بالثقافة والفكر المتصلب والمتحجر، بل بفكر وأنظمة عالمية يشعر بها الآخرون. والسؤال لديه دائماً: ليس ماذا أريد ولكن كيف أريد؟ لقد رفع شعار الدولة رقم واحد، وهذا الشعار يحتاج لرؤية استراتيجية وانفتاح على كل الثقافات والاستراتيجيات والتجارب العالمية. والقيادة عنده مسؤولية ومحاسبة، وشعاره إذا كنت تريد أن تكون قائداً فهذا معناه أن تتحمل المسؤولية ومسؤولية الحساب عن أي تقصير.
إن النجاح على مستوى إمارة دبي لا يكون إلا بالنجاح على مستوى الدولة ككل، وهنا الربط والحديث عن الرؤية للدولة لعام 2071. خمسون عاماً من الإنجاز المستمر تضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على مستوى القائد والحاكم الحداثوي. فالقيادة لديه تنمية، وإنجازات وإبداعات ورؤى متجددة، ولذا هي مسيرة متواصلة من الجهد. وهناك جوانب كثيرة لهذه القيادة الأبوية والإنسانية والخيرية، ولعل من أهم جوانبها مؤسسة محمد بن راشد الخيرية التي تقدم مساعداتها لجميع البلدان.
ويبقى القول، إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، كبر بدولته ودولته كبرت به، وكبر بإنسانيته وخيريته، لنجد أنفسنا أمام نموذج جديد للقيادة جدير بأن يتحول لمنهاج في القيادة يدرس على مستوى الجامعات وكافة المنتديات العالمية. فهنيئاً لدولة الإمارات وشعبها بهذه القيادة، وهنيئاً للأمتين العربية والإسلامية بهذه القيادة، وهنيئاً للإنسانية بهذا النموذج القدوة.
Drnagishurrab@gmail.com