ولربما تتصفحين.. وتصفحين

07-01-2019

يوسف أبو لوز

1981/7/12، وتوقيع سريع بسيط بحبر أسود جاف على الصفحة الأولى من كتابه البسيط، والبسيط جداً بعنوانه الذي يشي بالخوف من الحب وطلب الرحمة والصفح منه دائماً. وهذا هو العنوان «ولربما تتصفّحين وتصفحين»، وبكل بساطة مرة ثانية صادر عن «جمعية عمّال المطابع التعاونية» في العاصمة الأردنية عمّان في عام 1980، وثمن النسخة الواحدة 650 فلساً أيّ ستة قروش أردنية ونصف القرش، وكان ذلك قبل حوالي 38 عاماً. ولا أدري إن كان الشاعر نبيل عطية قد باع من مجموعته «ولربما تتصفّحين وتصفحين» أم لا، والأرجح أنه باع القليل من النسخ، فالكتاب خفيف وبسيط. (88 صفحة فقط من القطع الصغير) غلاف متقشّف تماماً، والأصحّ أنه ليس غلافاً، فهو أقرب إلى غطاء من ورق مقوّى، وفقط «ولربما تتصفحين وتصفحين»، ثم الأرجح أنه باع القليل من النسخ لأن الناس كانت تقرأ الشعر قبل ثلاثة عقود، وتقبل على شعر الصفح والمودّة.. وربما الضعف.

كان نبيل عطية، إذا لم تخن الذاكرة، يعمل مهندساً، ويقيم في بيت في جبل اللويبدة في عمّان تتوسطه شجرة ضخمة وارفة بالقرب من مقر رابطة الكتّاب الأردنيين في اللويبدة.

ورغم حدّة الهندسة وطبيعتها «اللّا أنثوية» كان نبيل عطية يكتب الشعر ببساطة، وخجل، ومواربة نفسية يغطيها بمظهره الذي لا يوحي بأنه مهندس، أو أنه يعمل في مهنة حادّة كالطب مثلاً حيث يشرّح بعض الأطباء الجسد البشري بكل برود أعصاب.

كان نبيل عطية يدخّن «البايب» دائماً. كان يحمل عدّة الغليون من تبغ وملقط وقدّاحة في حقيبة صغيرة، ولكنه لم يكن في مظهر أرستقراطيّ على عادة حملة الغليون، بل كان سهلاً وكان ممتنعاً في آن، مثل الجملة الشعرية التي تولد من ذاتها ولذاتها، ولم يطرح نفسه يوماً شاعراً كبيراً، بل لم يطرح نفسه شاعراً، كان بيته بالقرب من الرابطة، وبحكم أنه جارها يأتي إلى الرابطة عند حوالي الرابعة عصراً، ويجلس في الشرفة، ويطلب من «أبو حسن» عامل الكافتيريا الفلّاح الفلسطيني حتى العظم، فنجان قهوة، ويسرح بنظره وخاطره إلى البعيد.

من كانوا يعرفون نبيل عطية في تلك الأيام الثمانينية هم الآن في الستين من أعمارهم بعدما تركوا وهج العشرينات على شرفة الرابطة، وذهب كل منهم إلى حال سبيله. ونبيل عطية يلتحق بالرفيق الأعلى، ويترك غليونه محشواً بالرماد.

يضع نبيل عطية إهداءه لقارئه الذي يستعيده الآن بعد كل هذه السنوات على النحو التالي «الأخ السيد... أرجو أن تتصفّح وأن تصفح عن بعض الأخطاء المطبعية.. ودمتم»، وقارئوه آنذاك كانوا في العشرين، ولم يتوقف عند «الأخ السيد» ليعرف أنها لا تصدر إلاّ عن شاعر شديد الرهافة والحساسية المفرطة.

نبيل عطية.. المرأة التي طَلَبْت منها أن تتصفح وتصفح.. تصفّحت.. وَصَفحت.

yabolouz@gmail.com