«إسرائيل» ما قبل الانتخابات

07-01-2019
يونس السيد

قبل نحو ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة، ترتسم في أفق «إسرائيل» صورة «الساحة» وليس «الدولة» التي تعجّ بالصراعات والانقسام والتفكك، بينما تتنافس القوى السياسية على جذب أصوات جمهور مُتخم بالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاضطهاد الإثني والعرقي، يظللها فساد الطبقة السياسية في أعلى الهرم، فهل يمكن للانتخابات المبكرة أن تحدث التغيير الذي يتوقّعه «الإسرائيليون»؟
الصورة التي تظهر على خريطة تحرك الأحزاب والقوى السياسية، كما هي عليه الآن، لا تشي بإمكانية حدوث تغيير حقيقي، بقدر ما يمكن أن تفضي إلى إعادة «تفويض» تحالف اليمين واليمين المتطرف بكل ما يحمله من فساد، وبالرغم من مسؤوليته عن كل هذه الأزمات، مصحوباً بتغطية «شعبية» قد تجعله أكثر قوة للسير على نفس النهج الذي سار عليه في السنوات الأخيرة، سواء بالنسبة للساحة الداخلية أو في التعامل مع القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة. صحيح أن هناك حالة من التفكك والانشقاقات بين القوى السياسية، معظمها ينحسر في اليمين المتطرف ويسار الوسط، كما هو حال «البيت اليهودي» اليميني المتطرف الذي انشقّ عنه وزيرا التعليم نفتالي بينيت والقضاء آيليت شاكيد، ليؤسسا حزب «اليمين الجديد»، بهدف استمالة الناخبين العلمانيين، وكذلك على الجانب الآخر، فك الشراكة في «المعسكر الصهيوني»، وهو الكتلة الرئيسية للمعارضة، بين حزب «العمل» بزعامة آفي غاباي وحزب «الحركة» برئاسة وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، وتعيين شيلي يحيموفيتش بدلاً منها رئيسة لكتلة المعارضة في «الكنيست»، كما أعلن رئيس الأركان السابق بيني جانتز، نيّته الترشح للانتخابات عبر تشكيل حزب وسطي جديد، إلا أن كل هذه التغييرات، كما عوّدتنا الحملات الانتخابية السابقة، يبدو أنها ستظل شكلية، لأن معظم برامجها السياسية ولدت من رحم الأحزاب القائمة أو التي انشقّت عنها، وقد لا تخدم في النهاية سوى تحالف اليمين بزعامة حزب «الليكود».
الانتخابات برمّتها تكاد تكون محسومة، قبل أن تبدأ، لصالح حزب «الليكود» بزعامة نتنياهو، وهو ما تشير إليه استطلاعات الرأي، منذ الآن، والسبب لا يكمن في قوة نتنياهو بل في ضعف خصومه السياسيين، فمن جهة، هناك غياب طويل لحزب «العمل»، وهو مؤسس «إسرائيل»، والمنافس الحقيقي ل «الليكود» عن تصدّر الواجهة السياسية، لأسباب كثيرة، منها ضعف وهشاشة قيادته السياسية، وعدم وجود شخصية قيادية ذات «كارزما» قادرة على رص صفوف الحزب واستنهاضه لاستعادة مكانته التاريخية، ومنها ما يتعلّق بجنوح المجتمع «الإسرائيلي» بغالبيته الساحقة نحو اليمين والتطرف، ومن جهة أخرى، فإن قواعد المتدينين والأحزاب اليمينية المتطرفة أصبحت موالية لحزب «الليكود»، وأصوات ناخبيها مضمونة له، رغم محاولات اليمين المتطرف تفريخ أحزاب جديدة قادرة على استمالة العلمانيين، تعويضاً عن خسارتها لأصوات قواعدها. قد يكون هذا ما يدفع نتنياهو إلى التحدي، والإعلان بأنه لن يقدّم استقالته في حال توجيه المدعي العام رسمياً له بالتورط في الفساد، وهو الأمر الذي تقول وسائل الإعلام «الإسرائيلية» بتوجيهه بالفعل.
وبالتالي يراهن نتنياهو ليس فقط على البقاء في السلطة، وإنما الحصول عبر الانتخابات على «تفويض شعبي»، يمكنه من إحراج القضاء ودفعه للبحث عن طيّها حتى وإن كانت الاتهامات الموجّهة له ثابتة وحقيقية، وإعادة إنتاج القيادات ذاتها رغم الفساد.

younis898@yahoo.com