موهبة تقصي موهبة

06-01-2019

د. حسن مدن

يصادفنا في سير بعض المبدعين تعدد مواهبهم، فتجد الواحد منهم، أو الواحدة، رساماً وكاتباً ومصوراً. وإذا حصرنا الأمر في الأدب فإننا نجد روائيين أو كتاب قصة هم في الوقت نفسه شعراء أو كتاب مسرح.

الأمثلة ليست قليلة لو سعينا لتقصيها. كان جبران خليل جبران كاتباً ورساماً، وفي الأدب العالمي فإن جابرييل ماركيز كاتب قصة وروائي، لكنه أيضاً صحفي بارع، وإبداعه في كتابة المقال الصحفي لا يقل روعة عن أدبه، بل إن المقال عنده هو أدب بالفعل.

يحدث أيضاً أن يبدأ بعض الموهوبين باختبار أنفسهم في مجالات معينة، فنية أو أدبية. كأن يبدأ أحدهم العزف على آلة موسيقية حين يشعر أنه ميّال لها، لكنه سرعان ما يجد نفسه في مجال آخر، كالرسم مثلاً أو الكتابة. ولكن يحدث أيضاً أن يستمر عازفاً بارعاً، لكنه يلج عالم الكتابة فيبدع فيها. حسبنا هنا أن نذكر إدوارد سعيد، الذي وإن كان اسمه ذاع كمفكر وناقد، فإنه ظلّ عازفاً متميزاً على البيانو، وأكثر من ذلك كتب تنظيراً مهماً في الموسيقى من موقع الدراية والاختصاص.

تصادفنا أيضاً حالات الموسيقيين الذين يكتبون كلمات الأغاني التي يلحنونها، ولأنهم من كتبوا الكلمات فإنهم أكثر من سواهم قدرة على أن يجعلوا منها لحناً. هنا لا بد أن يحضرنا اسم الأخوين عاصي ومنصور الرحباني اللذين كتبا جزءاً كبيراً، إن لم يكن الأكبر، من الأغاني التي لحناها وأدتها الفنانة فيروز.

بالمناسبة فإن سليل العائلة الرحبانية الفنان زياد الرحباني ورث هذه الموهبة: كتابة كلمات الأغاني وتلحينها، وقد قرأت له مرة، أو ربما سمعته، يتحدث عن أن اللحن، في بعض الحالات، يحضره أولاً، ثم يفكر في كتابة كلمات قادرة على حمل شحنة اللحن.

لكن يحدث أيضاً أن موهبة من مواهب مبدع ما تطغى على سواها وتقصيها، وهذا ما وجدتُ مثالاً له في معلومات قرأتها مؤخراً عن الكاتب المصري الكبير أحمد بهاء الدين الذي بدأ حياته، وهو شاب، بكتابة الشعر وتذوّق الأدب، قبل أن يتحول إلى الكتابة الصحفية التي تكرّس فيها اسمه كواحد من أهم الكتاب المصريين والعرب.

لا يدور الحديث هنا عن محاولات شعرية متعثرة لبهاء الدين، سرعان ما هجرها، وإنما عن موهبة استوقفت ناقداً من وزن رجاء النقّاش الذي كتب دراسة عن قصيدتين له كتبهما في الأربعينات الماضية. وإذا كان بهاء الدين هجر الشعر، فإن الشعر تسلل إلى كتابته الصحفية ليضفي عليها مذاقاً عذباً.

madanbahrain@gmail.com