حرب الجواسيس

06-01-2019
علي قباجه

ليست جديدة حرب الاستخبارات القائمة في العالم، ولكنها طفت على السطح مؤخراً، بين روسيا من جهة وبريطانيا وخلفها المعسكر الغربي كاملاً، حول هذه القضية. إذ إنه ليس غريباً أن تسعى الدول إلى تجنيد عملاء لها في الدول المنافسة وخلال الحرب الباردة كان التجنيد على أشده، وتردد كثيراً أن من الأسباب المهمة لسقوط السوفييتي هم الجواسيس الذين تغلغلوا في أركان الاتحاد. وبقيت المنافسة موجودة حتى الوقت الراهن، إذ إن روسيا لا تزال تعتبر من أشد المنافسين للغرب والعكس هو الصحيح.
وبدأت أحدث فصول التصارع وتبادل الاتهامات بين المعسكرين الشرقي المتمثل بروسيا، والمعسكر الغربي المتمثل ببريطانيا والولايات المتحدة ومن خلفهما أوروبا بمعظمها، عندما اتهمت لندن موسكو بتسميم جاسوس مزدوج سابق يدعى سيرجي سكريبال وابنته في إنجلترا على يد جواسيس روس مفترضين، إذ إن تبادل الاتهامات احتدم ووصل الأمر إلى فرض عقوبات على روسيا حول هذه القضية، واتهمت موسكو آنذاك بريطانيا والولايات المتحدة بسعيهما إلى النيل منها، واتخاذ ذرائع دون أدلة ضدها.
وما زالت فصول القضية مستمرة، ولم يغلق ملفها، بل أيضاً فتحت ملفات جديدة، إذ حذرت بريطانيا قبل أيام، موسكو من مغبة استخدام الضابط السابق في بحريتها، يدعى بول ويلان، حيث تتهمه روسيا ب«التجسس»، في «لعبة شطرنج دبلوماسية»، في حين طالبت لندن وواشنطن بعودته «لأن احتجازه استند إلى أسس غير سليمة».
وألقت هذه القضية بظلالها على المشهد المتوتر بين الطرفين، بالتزامن مع اتهامات عنيفة لروسيا بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية، إذ إن الصراع الداخلي في الولايات المتحدة تفاقم، مع سيل التهم التي وجهت لدونالد ترامب، بتلقيه المساعدة من الكرملين لرفع حظوظه والفوز بالرئاسة، وبقيت آثار هذه القضية ماثلة حتى بعد مرور سنتين من وصول الرئيس الأمريكي لسدّة الحكم، حيث إن القضية تتفاعل مع قضايا أخرى، وتدفع العلاقات إلى مزيد من التوتر.
ولا تزال الدول العظمى تتنافس على مراكزها، وتسعى للاستحواذ على أكبر قدر من المعلومات عن الخصوم أو حتى الأصدقاء؛ فالأمر سيان، فتدفق المعلومات وكشف دواخل وأسرار الآخرين أداة مهمة للتنبؤ بتصرفاتهم، وهو ما يتيح الفرصة لإفشال أي مخطط بشكل مسبق، أو سرقة تكنولوجيا معينة مفيدة، أو حتى زرع بذور الدمار للأعداء.
فالجاسوسية الآن، هي اليد الضاربة للدول، فتشنّ الحروب الخفية من خلالها، خاصة مع تعذر المواجهة العسكرية الشاملة، إذ إن اللجوء إليها يقود للفناء، وأسلوب التجسس بالنسبة لهم هو الأمثل لتحقيق النتائج المرجوة للدول أو حتى الحركات والأحزاب على وجه المعمورة. ومع هذا التصارع والتصادم المعلوماتي هل يتجه العالم إلى حرب باردة على غرار السابقة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تقزيم دول ورفعة أخرى، وتغيير وجه البسيطة، أم أن الأمور ستتجه إلى التهدئة على اعتبار أن لا مصلحة لأحد بحدوث اختلال في التوازنات التي ستؤثر على العالم سلبياً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً؟
aliqabajah@gmail.com