موقف كاشف في «اليونسكو»

06-01-2019
سليمان جودة

في مقرها بالعاصمة الفرنسية، كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية، والثقافة، والعلوم (اليونسكو)، على موعد في اليوم الأول من هذا الشهر، مع رسالة جاءتها من الحكومة «الإسرائيلية» تقول إن «اسرائيل» قد انسحبت من المنظمة، ولم تعد منذ الأول من يناير عضواً فيها !
وحقيقة الأمر أن الرسالة لم تكن مفاجئة لأودري أزولاي، مديرة المنظمة، ولا حتى للرأي العام المتابع للعلاقة بين اليونسكو وبين «إسرائيل» منذ فترة، وبالتحديد منذ الثاني عشر من أكتوبر الماضي.. ففي ذلك التاريخ كانت حكومة بنيامين نتنياهو قد أعلنت انسحابها من المنظمة الدولية، وكان قد كلف حكومته بالمضي في إجراءات الانسحاب، فلما اكتملت الإجراءات جرى الإعلان في أول العام الجديد عن بلوغ القرار مرحلته الأخيرة !
ومن قبل «إسرائيل» كانت الولايات المتحدة قد أعلنت انسحابها هي الأخرى، وأعلنت التوقف في الوقت نفسه عن سداد نصيبها المقرر في تمويل المنظمة، ولذلك، لم يكن القرار«الإسرائيلي» في حقيقته، سوى نوع من السعي وراء واشنطن في قرار اتخذته إدارة الرئيس دونالد ترامب !
وكان القرار في الحالتين: الأمريكية و«الإسرائيلية»، احتجاجاً على موقف اليونسكو تجاه القدس الشرقية. ف«إسرائيل» تريد موقفاً يعترف برؤيتها التي تقوم على أساس أن مدينة القدس الشرقية لها، وأن الفلسطينيين لا علاقة لهم بها.. ولكن المنظمة الدولية في المقابل ترى أن اتخاذ موقف كهذا من جانبها، فوق قدراتها، وفوق طاقتها، لأن التراث القائم في المدينة لايقول بما تقول به«إسرائيل»، ولا التاريخ المسجل والمكتوب يقول.. فكيف يمكنها قول ذلك على عكس ما تقول به الحقيقة التاريخية هناك ؟
الحكومتان الأمريكية و«الإسرائيلية» تتصرفان وكأن اليونسكو منظمة خاصة بهما، أو كأن عليها أن تتصرف وفق ما يراه البلدان، أو كأن الثقافة التي نشأت المنظمة الدولية في باريس من أجل الاهتمام بها، هي فقط الثقافة التي تخص الحكومتين، وإلا فالانسحاب منها هو العصا المرفوعة في وجهها مرة، والتوقف عن دفع الحصة المقررة في الميزانية السنوية، هو السلاح المُشرع في مواجهتها مرةً ثانية !
ولكن البُعد الأهم في هذه القضية، هو موقف أزولاي المعروف عنها أنها يهودية فرنسية من أصل مغربي، وأنها مولودة في مدينة الصويرة المغربية، وأن أباها أندريه أزولاي على علاقة وثيقة بشخصيات يهودية عالمية، وأنه يعمل مستشاراً لعاهل المغرب الملك محمد السادس !
ويعرف الذين تابعوا معركة الرئاسة في اليونسكو، التي دارت رحاها العام قبل الماضي، أن تل أبيب كانت تقف إلى جوار أزولاي في مواجهة مرشحين آخرين، كانت فرصة كل واحد منهم في الفوز كبيرة، ويبدو أن المساندة «الإسرائيلية» لها في وقتها، كانت تراهن بشكل أو بآخر على أن تقف المديرة الجديدة حين تتسلم عملها، مع موقف «إسرائيل» في ملف القدس الشرقية !
ولقد ثبت بالتجربة، أن أزولاي منذ فازت بمنصبها في أكتوبر ٢٠١٧، كانت من بين يهود كثيرين في العالم، يفرقون تماماً بين اليهودية باعتبارها ديانة سماوية، وبين الصهيونية باعتبارها عقيدة سياسية تُقر الاستيلاء على أرض الغير دون وجه حق، فيهوديتها لم تمنعها من معارضة الحكومة «الإسرائيلية» فيما تريد الذهاب إليه في ملف القدس..
فمما نعرفه عنها، كوزيرة سابقة للثقافة الفرنسية، ثم كمهتمة بالشأن الثقافي العالمي عموماً، أنها هي التي تولت الدفاع عن آثار نينوى والموصل في العراق، وقت أن دمرها تنظيم داعش، وأنها هي كذلك التي قدمت لمتحف اللوفر الفرنسي مشروعاً لإنقاذ ما دمره التنظيم الإرهابي، وأن مشروعها هو الذي جرى الإعلان عنه بالتعاون مع إيرينا بوكوفا، المديرة السابقة لليونسكو، من أجل إنقاذ ما تبقى من آثار المدينتين العراقيتين !
موقف أزولاي في ملف القدس من المواقف التي توضع في إطار!

soliman.gouda@gmail.com