هل تتخلى أمريكا عن مبدأ الصين واحدة؟

06-01-2019
محمد خليفة

هدد الرئيس الصيني شي جي بينج، قبل أيام، باستخدام القوة العسكرية؛ لإعادة تايوان إلى حضن الوطن الأم، إلا أن رئيسة تايوان تساي إينج وين ردت على التهديد برفض خطة التوحيد والتمسك بالاستقلال، ما أثار المخاوف من تجدد الصراع بين بكين وتايبيه، بما يؤثر في مجمل الأوضاع في المنطقة، كما أنه يضع العلاقات الصينية - الأمريكية السيئة أصلاً أمام مخاطر جديدة.
فرغم مضيّ أكثر من ستين عاماً على انتهاء الحرب الأهلية في الصين بانتصار الشيوعيين، وسيطرتهم على كامل التراب الصيني، وانكفاء الوطنيين «الكومنتانج» إلى جزيرة تايوان، ومنذ ذلك الانقسام لم يستتبّ السلام بين الجانبين، فلا تزال تايوان تطمح لتكريس نفسها كدولة مستقلة، وتقف الولايات المتحدة إلى جانبها وتساعدها على البقاء كدولة مستقلة، بينما تصر الصين على اعتبارها جزءاً منها. ورغم أن الولايات المتحدة قامت بمصالحة الصين بعد زيارة الرئيس الأسبق نيكسون لها، ومن ثم سحبت اعترافها بتايوان، واعترفت بمبدأ الصين واحدة، لكنها ظلت تحتفظ بعلاقات، غير رسمية، مع تايوان نكاية في الصين، وهي تستند في هذه السياسة إلى معاهدة «الدفاع عن تايوان ضد أي عدوان خارجي»، والتي وقعها الطرفان في عام 1953، والقانون الصادر من الكونجرس الأمريكي تحت مسمى «قانون العلاقات مع تايوان»، والذي بموجبه تلتزم واشنطن بالوقوف إلى جانب تايوان، ودعمها في جهودها الهادفة لتعزيز قدراتها على صعيد الدفاع عن نفسها ضد الصين، فأمريكا من مصلحتها السياسية والاستراتيجية ألا تعود تايوان إلى الصين كما حصل مع هونج كونج؛ لأن عودتها يعني أن الصين قد هزمت الولايات المتحدة سياسياً واستراتيجياً، وعززت مكانتها في المنطقة وخاصة في المحيط الهادئ، وهو ما سيجعلها في المستقبل قوة عظمى ذات نفوذ متصاعد.
ورغم هذا الموقف الأمريكي المساند لتايوان، إلا أن الرؤساء الأمريكيين، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، ما بين ديمقراطيين وجمهوريين، قد حافظوا على علاقة متوازنة مع الصين، فلم يتصل أي رئيس أمريكي برئيس تايواني، لكن الرئيس دونالد ترامب غيّر تلك القاعدة، وتلقى اتصالاً، بعيد انتخابه، من رئيسة تايوان، تساي إينج وين، آنذاك، وأعلن البيت الأبيض أن الجانبين تطرقا إلى قضايا الأمن والاقتصاد والسياسة، ثم سارع البيت الأبيض إلى تبرير الاتصال، لكنه أعرب عن تمسكه بسياسة «الصين الموحدة».
وقد أثار هذا الاتصال غضب الصين، التي احتجت رسمياً لدى الولايات المتحدة، وطالبتها باحترام مبدأ «الصين الواحدة»، وتعتبر الصين هذا المبدأ، هو الأساس لأي تطوير في العلاقات معها، ولا استثناء لأي دولة من هذه القاعدة.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد أعلن مراراً، أنه لن يلتزم بمبدأ الصين واحدة، إلا إذا تم إبرام اتفاق مع الصين؛ للحصول على مكتسبات أخرى بما في ذلك التجارة الحرة بين البلدين. واتهم الصين بعدم التعاون مع الولايات المتحدة في مجال أسعار صرف العملات. معتبراً أن هذه السياسة النقدية تسمح بتحفيز الصادرات الصينية. كما هاجم السياسة الدفاعية الصينية، معتبراً أن الصين تبني حصناً هائلاً في بحر الصين الجنوبي.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سيتخلى ترامب فعلاً عن مبدأ الصين واحدة؟. الواقع أنه رغم التنافس الواضح بين الولايات المتحدة والصين، ورغم تعهدات الولايات المتحدة لتايوان، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين تتسم بالكثير من الغموض والتعقيد، فالصين هي أكبر حامل لسندات الخزينة الأمريكية، كما أن التبادل التجاري بين الدولتين بلغ 500 مليار دولار، وأصبحت الصين الأسرع نمواً في تاريخ الأسواق الخارجية الأمريكية. وفي الوقت نفسه، هناك عدد كبير من الصادرات الصينية إلى أمريكا، ساعدت كثيراً في دعم القوة الشرائية للشعب الأمريكي، وفي حال نفذ ترامب «تهديداته»، وأعاد العلاقات مع تايوان، فإن الصين ستقطع العلاقات مع الولايات المتحدة، وستقوم ببيع ما لديها من سندات الخزينة الأمريكية؛ مما قد يترتب عليه إغراق نسبي للاقتصاد الأمريكي، وقد تصبح المشكلة مضاعفة إذا أقدمت روسيا حليفة الصين على إجراء مماثل، وقامت ببيع ما لديها من سندات خزينة أمريكية.
وإضافة إلى خلق المشاكل الاقتصادية للولايات المتحدة، فإن الصين قد تقوم بدعم القوى المعادية لها في العالم، بشكل علني، مما سيزيد الضغوط والتحديات أمامها، وهي في هذا الوقت غير قادرة على متابعة سياسة الهجوم في العالم، بل إن برنامج الرئيس ترامب يقوم على أساس الابتعاد عن المشاكل، والالتفات للشأن الداخلي لإصلاح الاقتصاد. وربما من هذا المنطلق من المستبعد أن يحدث أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه الصين، وتسعى إدارة ترامب لإبرام اتفاقيات تجارية جديدة مع الحكومة الصينية؛ لتعديل الميزان التجاري الراجح حالياً لمصلحة الصين، أما مبدأ الصين واحدة، فإنه سيبقى أساس العلاقة بين الدولتين.

med_khalifaa@hotmail.com