الثقافة وواقعنا العربي

05-01-2019

عثمان حسن *

هل شكلت الثقافة العربية نموذجاً خاصاً بها، على غرار ما هو معروف في الثقافات العالمية؟ هو سؤال مهم، موجه للمشتغلين في الحقل الثقافي والفكري العربي.

ولكن، قبل ذلك كله، ما هو هذا النموذج المطروح عربياً، وما هو شكله، وكيف يمكن تحديد تقاطعاته مع الثقافات الأخرى، ومع ما هو إنساني وعالمي؟ وأكثر من ذلك، ما هي آفاق هذا النموذج أو المشروع، تجاه كافة حلقات الواقع الاجتماعي والسياسي العربي؟

في أحد المؤتمرات الثقافية، طرح الروائي الجزائري المعروف واسيني الأعرج مثل هذا السؤال، من واقع قناعته بوجود مشكلات تعاني منها الثقافة العربية، حيث قال: «إن كل قارات العالم تقريباً، بها نموذج يُحتذى، في تجديد الخطاب وتطويره، إلا أن الدول العربية تفتقد مثل هذا النموذج».

ومن يقرأ بوصلة المؤتمرات العربية، التي تعقد لمناقشة آفاق ثقافتنا العربية في ظل الراهن، يخرج دائماً بنتيجة مفادها، أن هذه الثقافة، لا تزال عاجزة عن تشكيل مشروعها، لتكون جاهزة لمواجهة التحديات في كافة المستويات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية.

تبدو الإجابة عن مثل هذا السؤال غاية في الصعوبة والتشابك، خاصة ونحن نقرأ واقع الحال العربية، في مؤشرات عدة أبرزها التربية، وأيضاً من خلال مؤشرات وإحصائيات القراءة، بحيث تبدو الصورة غير واضحة حتى الآن في ذهن المثقف والمفكر العربي، لا سيما ونحن نفاجأ في كل مرة باقتراحات وتشريعات ضبابية في علاقتها مع الراهن واستشراف واقع الإنسان العربي.

إن محاولات رصد الثقافة في الواقع العربي كانت بشكل عام خجولة جداً، بل كانت بطيئة في الاقتراب من عدة ملفات أساسية، منها على سبيل المثال، واقع الطفل العربي واحتياجاته.

ومن جهة أخرى هناك علامة استفهام حول إنجازات الفكر العربي، الذي ما زال يتخبط إزاء ما أنجز من فلسفات وأفكار عالمية. كما أن هناك فجوة كبيرة، تفصل الفعل الثقافي عن واقعه العربي، فلا أرقام حقيقية ترصد إيجابيات أو سلبيات المعطى الثقافي في المجتمع والتربية والاقتصاد، وفي حقول الأنشطة الإنسانية المختلفة.

لقد استفاد العرب قديماً من التراث الإنساني، غير أن ردات الفعل المتتالية التي أصابت الجسم العربي، أعاقت تطور نموذج ثقافي وفكري مقترح، فظل نموذجاً غير ناضج ومنكفئاً على نفسه.

وبعد، فليس أمام المثقف العربي سوى الاستجابة لتطلعات الفرد في حقه بالتنوع والاختلاف والاستفادة من التراث العالمي والإنساني، وهنا، فقط، نتجاوز تلك الأحادية، التي تقزِّم الفرد، وتحبط حلمه في محاكاة التجربة الإنسانية. أما نجاح النموذج الثقافي العربي فمشروط فقط، بالرهان على قوة الثقافة ذاتها، بوصفها تشكل رصيداً حيوياً ومرناً، لمحاربة الظلم والغطرسة والعنف والتطرف.

* Ohasan005@yahoo.com