شرطي العالم.. ماذا يريد؟

05-01-2019

د. حسن مدن

يكرر الرئيس دونالد ترامب السؤال: إلى متى سنستمر في أداء دور شرطي العالم، من دون أن ينسى إضافة: وبالمجان؟.

السؤال في غاية الوجاهة، إذا ما تغاضينا عن اللازمة التي يُلحقها به: و«بالمجان»، هل حقاً مطلوب من الولايات المتحدة أو سواها من الدول الكبرى أن تكون شرطياً للعالم، مع وجود منظمة دولية اسمها هيئة الأمم المتحدة، تهيمن هذه الدول الكبرى على مجلس الأمن التابع لها!

الحق أن ترامب قال في حوار متلفز، كلاماً مقنعاً وهو ينتقد السياسة الخارجية لأسلافه، وخاصة منهم الرئيس السابق باراك أوباما، في تدخلهم العسكري المباشر في بلدان عربية عدّدها ترامب: (العراق وليبيا وسوريا)، مضيفاً أن العراق بوجود صدام حسين، وليبيا بوجود معمر القذافي كانا في حال أفضل بكثير مما آلا إليه اليوم، حيث أصبح البلدان مرتعين للجماعات الإرهابية المسلحة.

وعرّج أيضاً على الوضع القائم في سوريا متسائلاً: ما هي مصلحة واشنطن في إطاحة نظام بشار الأسد، لتسليم دمشق إلى قوى لا نعرفها، ولا نعرف ما الذي تُضمره.

لكن هل حقاً يريد ترامب أن تكفّ أمريكا عن أن تكون شرطي العالم، وإذا كان يريد ذلك، هل بوسعه أن ينجز هذه المهمة. والسؤال هو: هل تتصور الولايات المتحدة نفسها بدون دور شرطي العالم الذي ينتقده رئيسها؟.

أليس في استقالة وزير الدفاع مؤخراً احتجاجاً على إعلان ترامب رغبته في سحب قوات بلاده من سوريا، أحد الأدلة على أن حسابات المؤسسة العسكرية ونظيرتها الأمنية، وكل ما يمكن أن يمت بصلة لما يعرف ب«الدولة العميقة» دليل على أن الرئيس ليس طليق اليدين في تقرير مسألة حسّاسة مثل هذه.

ولكن اللازمة التي يُنهي بها ترامب سؤاله عن جدوى قيام واشنطن بدور شرطي العالم أي لازمة «وبالمجان» تكاد تفرغ السؤال من وجاهته؛ لأنها تظهر ألا اعتراض له على دور الشرطي إذا جرى تأمين كلفة الدور من قبل بلدان أخرى، تشمل فيما تشمل أعضاء الناتو الأوروبيين أنفسهم، الذين أكثر ترامب هجاءهم وهو يكرر: «نحن نحمي أمنكم من دون مقابل».

كل الوقائع تُظهر أنه ما من حرب خاضتها أمريكا أو كانت طرفاً فيها، تحملت هي وحدها منفردة كلفتها؛ بل إنها لا تجازف بفعل ذلك قبل أن تؤمن دعم الداعمين لها، في حروب تتصل بأمنها ومصالحها هي في المقام الأول. وبالتالي، فإن الأمر يدخل في خانة الابتزاز لا في خانة المراجعة.

madanbahrain@gmail.com