التكنولوجيا والتوجهات الاستهلاكية

17-12-2018
جوناثان جولدن *

تعرفت في العام 2012 على تطبيق جديد يمكن للسائقين من خلاله تقديم خدمة للركاب بسياراتهم الخاصة، وليس عبر سيارة أجرة أو ليموزين، والتي تكون معروفة في الغالب لألوانها المميزة مثل الأصفر وغيره، وقمت بعدها سريعاً بتنزيل التطبيق «ليفت» وشاركته مع الكثير من الزملاء، ولكن ملاحظاتهم عليه كانت تقريباً متطابقة، إذ قالوا إنهم لن يستخدموه أبدا مستقبلا، بسبب أنهم لا يشعرون بالراحة عند ركوب سيارة شخص غريب.
الغريب في الأمر أنهم كانوا ليسمحوا للغرباء بالدخول إلى منازلهم وأن يدخلوا هم أيضا إلى منازلهم، ولكن الإجابة كانت تميل إلى أن السيارة تختلف عن فكرة المنزل بطريقة أو بأخرى. لن أخفي عنكم دهشتي من تلك الإجابات، ولكن أحد زملائي فاجأني بإجابة مخالفة، هي أن هذا المجال مكتوب له أن يصبح كبيرا جدا خلال السنوات القادمة.
أعتقد أن هذا النوع من المنتجات كان يتطلب تحولا جذريا في السلوك الاستهلاكي، وإذا ما عدنا إلى بواكير عصر الإنترنت، فغالبية الناس كانوا يقولون إنه من المستحيل أن يضعوا بياناتهم المالية الخاصة ببطاقاتهم على أي موقع إلكتروني، ولكنهم في النهاية فعلوا ذلك، وسمح ذلك التحول في السلوك بازدهار مجال التجارة الإلكترونية التي أصبح عمالقتها اليوم ضمن أكبر الشركات العالمية وأعلاها قيمة.
وعلى ذات النهج، كان الناس عند بداية ظهور مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» وغيرها يؤكدون أنهم لن يدخلوها بأسمائهم الحقيقية، ولن يضعوا عليها صورهم أو معلوماتهم الخاصة، ولكم أن تقارنوا ما يحدث حاليا بتلك الفترة، فالتحول الكبير لم يستغرق أكثر من عام أو اثنين، بعد أن كان ركوب سيارات الغير أو إنشاء حساب على أحد مواقع التواصل أمراً مستهجناً.
هذا التغير الذي طرأ على التوجهات الاستهلاكية العامة كان تحولا في المعايير المقبولة على المستوى الاجتماعي استنادا إلى الدروس المستفادة سابقا، وكان لا بد من حدوثه عاجلا أو آجلا، خاصة أنها جاءت في فترة كان الناس فيها يعتقدون أنهم وصلوا إلى قمة التطور، ولكن تغير السلوك بسبب منتج ما لا يعني أنه سيحقق النجاح المطلوب.
إن ما حدث خلال الفترة الماضية من تحولات كبيرة في السلوك الاجتماعي والاستهلاكي، والذي أنتجه قطاع التكنولوجيا خلال السنوات الماضية، لم يأت من فراغ، بل من الحاجة إلى منتجات جديدة تحدث ثورة ونقلة نوعية في طريقة الحياة، وهو ما حدث فعلا وبطريقة لم نكن نتوقعها أبداً.
* تكنولوجي ريفيو