لغويّات التسامح

17-12-2018
عبداللطيف الزبيدي

كيف امتازت العربية على غيرها في الجذر الذي اشتق منه التسامح؟ دولة الإمارات أطلقت على 2019 اسم عام التسامح، وكانت قبل هذا التكريم قد خصته بوزارة. ليت العالم يدرك مأساة أن يصبح التسامح عملة غريبة في أسواق البشر.
مفارقة عدم الإلمام بالأصول اللغوية، تكشف لنا الجهل الذي يقود إلى أفظع التأويل، وإلاّ ما كان للتطرف أن يجد له موطئ قدم نملة في ديار العرب. يصف المسلمون ديانتهم بالسمحة، وهذه الصفة هي والتسامح من جذر واحد يدل على الجود وعلى التيسير. جاء في «مقاييس اللغة» (أحمد بن فارس): «السين والميم والحاء أصل يدل على سلاسة وسهولة. كيف يكون عنيفاً من توصف التعاليم التي يسير عليها بالحنيفية السمحة؟ السمحة أي التي لا ضيق فيها ولا شدة، فالتسامح سخاء شيم، وعلوّ همم، كأنك تجود بالرحب والسعة على الطرف بكل أريحية، فالتسامح كرم ضيافة معنوي.
في هذا الفضاء من الطبائع، تبدو المقارنة طريفة، حين ننظر إلى كلمة «توليرانس» في الإنجليزية والفرنسية ونظيرات الأخيرة من اللغات اللاتينية. الجذر اللاتيني يدل على التحمل والمعاناة. معاذ الله انصراف الذهن إلى أن القوم اشتقوا التسامح في مفردتهم من أصل كأنه لا يرغب فيه، ففي الجذر احتمال ومقاساة. التحمل نراه في استخدام لفظ «توليرانس» في الأدوية، عندما لا يرفض الجسم الدواء، فيبدي التسامح إزاءه، البنسلين مثلاً. الأصل أبعد بكثير، فمفردة «توليرانس» اللاتينية جذرها سنسكريتي هندي «تول» الذي يدل على الأخذ، التحمل ومعنى آخر هو صنو للتحمل وهو الوزن أو الميزان. في الإمارات ومجلس التعاون،يعرف الناس جيدا كلمة «تولة» حين يشترون العود ودهنه. جذر التسامح (توليرانس) أي «تول» أمامهم في الأسواق صباح مساء ولا يشعر به أحد. لكن التسامح في حد ذاته لا يباع ولا يشترى، لا بالتولة ولا بمثقال الذرة، فهو يوهب سماحة وسُموحة وخلائق سمحة، من المهج ذات الوهج، والنفوس ذات المعدن النفيس، والأفكار ذات الأنوار.
لزوم ما يلزم: النتيجة التوفيقية: التولة ملهمة، فالعود كالنفس السامية تتحمل نار المعاناة لتفعم الأجواء عطراً وعبيراً.
abuzzabaed@gmail.com