تونس وحديث الثورة

17-12-2018
مفتاح شعيب

في مثل هذا اليوم قبل ثمانية أعوام، أقدم الشاب التونسي محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده، ليشعل شرارة احتجاجات عارمة وغير مسبوقة انتهت برحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عن السلطة ومغادرته البلاد، ليبدأ «عهد الثورة» بما حمله من وجوه سياسية جديدة قادت تغييرات جذرية شملت أدوات الحكم وتحرير الصحافة، لكنها فشلت في تحقيق التطلعات الاقتصادية والاجتماعية، وظلت أسباب الثورة قائمة ولم تندثر.
المدافعون عن التجربة التونسية يؤكدون أن التغيير السياسي لا يمكن أن يحصد نتائج إيجابية في سنوات معدودات، ويتحججون في ذلك بتجارب الثورات المعروفة في التاريخ التي أخذت فيها المراحل الانتقالية حيزاً من الزمن يطول ويقصر. أما المتشائمون، وقد أصبحوا أغلبية بحسب نتائج سبر الآراء، فيرون أن النخبة السياسية التي جاءت بعد ابن علي لم تكن بمستوى المسؤولية، وفشلت في إدارة البلاد وانهمكت في خلافاتها واختلافاتها التي لا تنتهي. وبعض من تلك النخب أساء توظيف أجواء الانفتاح والحريات، تجلى ذلك في ظهور خطابات متهافتة ومقاربات سطحية حول الواقع ومشكلاته. وعلى امتداد السنوات الماضية سيطر منطق صراع المصالح الحزبية، واندلعت معارك إيديولوجية، ومحاولات للزج بتونس في لعبة المحاور الإقليمية، بما يتعارض بالمطلق مع السياسة التقليدية للبلاد التي وضع أسسها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.
بالتزامن مع دخول تونس العام التاسع من الثورة، وبسبب الضبابية المتراكمة تسيطر مشاعر التشاؤم والخوف من المستقبل، وأكبر المخاطر تأتي من النخب السياسية المنقسمة على ذاتها، وليس من الشعب الذي أثبت في محن عديدة أنه أكثر واقعية من بعض قياداته، ولكن هناك خشية من أن تضمحل تلك الصورة الجميلة التي كان عليها التونسيون في كثير من اللحظات الحرجة بعد الثورة، جراء اشتداد الاحتقان السياسي والحسابات المسبقة للمواعيد الانتخابية العام المقبل، بينما الوضع الاجتماعي يزداد تعقيداً في ظل الصراع المفتوح بين النقابات والحكومة الحالية بقيادة يوسف الشاهد. وعلى الرغم من أن التحركات النقابية مشروعة ومنطقية في بلد أصبح يسمح بحرية التعبير، إلا أن بعض الأطراف السياسية تريد توظيف الاحتجاج الشعبي لخدمة أغراضها الخاصة. وفي كل فترة من هذا العام أصبح التونسيون يتلقون دعوات للثورة مجدداً، ومن آخر التقليعات الحديث عن ثورة جديدة وعن «سترات حمراء» اقتداء ب «السترات الصفراء» في فرنسا وبعض الدول الأوروبية.
الأوضاع التونسية الحالية لا تحتاج إلى مزيد من الاحتجاجات و«الشعارات الثورية»، بل تتطلب مصارحة وطنية شاملة وعرضاً لكل المشاكل والحلول المفترضة بمشاركة الجميع. ومن حسن الحظ أن الجميع متفقون على وجود الأزمة، لكن الاختلاف قائم حول أدوات معالجتها ومحاصرة أسبابها، ومهما عظمت المحنة ستظل وسائل مواجهتها في الداخل وليست باستجداء الحل من خارج الحدود التونسية.
choauibmeftah@gmial.com