ما وراء التحريض على الإسلام والمسلمين

17-12-2018
عبد الإله بلقزيز

أصابت السياسات الغربية والصهيونية نجاحاً في تسديد ضربة موجعة للعالمين العربي والإسلامي، ولشعوبهما، من خلال نجاح حملاتها الإعلامية والدعائية المعادية في تشويه صورة الإسلام، كدين، والمسلمين، كشعوب معتنقة لهذا الدين، وترسيخ صور نمطية عنهما، في المخيال الغربي، تحمل على الخوف منهما والاستنفار الجماعي ضدهما، بوصفهما «خطراً» يتهدد الحضارة الغربية وقيمها الديمقراطية!
هكذا قُدّم الإسلام في المطابخ الإعلامية والدراسية الغربية والصهيونية، بما هو دين يدعو أتباعَه إلى كراهية غير المسلم، وإلى إتيان فعْل العنف ضده، بوصفه أمراً شرعياً أو واجباً دينياً، وإلى اضطهاد المرأة وتجريدها من حقوقها الإنسانية...إلخ.
في الموازاة، قُدّم المسلمون بوصفهم إرهابيين بالفعل أو بالقوة؛ بالفعل حين يحملون السلاح في وجه الخصوم والأعداء، فيعتدون على المدنيين الأبرياء، ويأخذونهم غيلة أنّى وُجدوا، وحين تنتشر خلايا جماعاتهم في مجتمعات الغرب، مثل الخلايا السرطانية في الجسم، متحيّنة فرصة الفتك بأهدافها؛ أو بالقوّة (هُم إرهابيون)؛ لأن لديهم الاستعداد الذاتي لكي يصبحوا كذلك، بما تلقوه من تكوين وتأهيل ديني «يحضهم» على الكراهية والعنف، وعلى إنفاذ أحكام شرع المسلمين في غير المسلمين..
هذه الرواية المغرِضة مردودة من أكثر من وجه: أولها: أن الإرهاب ظاهرة عابرة للمجتمعات والثقافات والأمم، وليست خاصة بواحدة منها حصراً، وأن الإرهابيين كانوا دائماً وما زالوا من أتباع الأديان كافة، لا من أتباع الإسلام فقط، مثلما يزعمون في دول الغرب.
وثانيها: أن أسبابه ليست دينية، ولا يُبحث عنها في تعاليم الدين، وإنما في منظومة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية التي تولد البيئة الخصبة. وثالثها: أن الإرهابيين، المنتمين إلى مجتمعات الإسلام، توقفوا عن قتال الغربيين في ديار الأخيرين، منذ زمن، فيما انصرفوا إلى قتال المسلمين أنفسهم داخل «دار الإسلام».
وبالتالي، فإن المسلمين أكبر المنكوبين بهذه الآفة في العالم. ورابعها: أن الغرب، الذي يرفع عقيرته ضد «الإرهاب الإسلامي»، هو أول من يمد الإرهاب ذاك بالعون والمدد، ويتعهّد جماعاته بالرعاية والصيانة، فيستخدمه ضد مجتمعات الإسلام ودوله! أزعومة مردودة إذن ولكن من أين أتت؟ ما مصدرها؟ وما الأهداف التي يتغيّا القائلون بها بلوغَها؟
أياً يكن التقدير منا للاتجاهات العلمية النزيهة في الاستشراق واجباً (فكرياً وأخلاقياً) لقاء ما قدمته من خدمات جليلة لتراث الإسلام، تجلية وتحقيقاً وبحثاً ودرساً، فإن الذي لا مرية فيه أن أكثر الاستشراق الغربي مغرض وعدائي، ونهض بأدوار سلبية في تشويه سمعة الإسلام، مستعيداً ومستأنِفاً في الوقت عينه تراثاً عريقاً من العداء اللاهوتي المسيحي واليهودي الوسيط، للإسلام. وبهذا المعنى، تتغذى الدعاية الغربية الصهيونية ضد الإسلام، اليوم، من ذينك التراثين السجاليين؛ اللاهوتي والاستشراقي.
غير أن الدعاية هذه مرتبطة بسياسات دولية رسمية وبالتالي، فهي ليست ضحية معرفة مبتذلة موروثة؛ بل تسخِّر المعرفة تلك لأهداف سياسية أكثر ابتذالاً وأشد عدوانيةً وخطراً على مصير الإسلام والمسلمين. إنها «دعاية» تبرر لمراكز القرار الغربية إنتاج سياسات عدوانية تجاه المجتمعات والدول في العالمين العربي والإسلامي، وإلحاق أبلغ الأذى بمصالحها وحقوقها المشروعة، وأمنها واستقرارها وأحياناً بسيادتها أيضاً.
تبرير السياسات العدوانية الأجنبية تلك بالإرهاب، ومسؤولية الإسلام ومجتمعاته في إنتاجه وتصديره، فِعل أيديولوجي دعائي مقصود، قصد خلع المشروعية على العدوان الخارجي متعدد الأشكال، وتقديمه للعالم بوصفه «دفاعاً مشروعاً» عن النفس! وعليه، فالتواطؤ شديد، بين الإعلام ومراكز الدراسات في الغرب وأجهزة صنع القرار فيه، على تحقيق الهدف عينه؛ تدمير فرص التقدم أمام مجتمعات العالمين العربي والإسلامي، وتقوية مركز «إسرائيل» في قلبه!
ولكن المشكلة، في هذه السياسات العدوانية المبررة بالإرهاب، أن نتائجها الكارثية لا تصيب العرب والمسلمين في أوطانهم فحسب؛ وإنما تمتد بنتائجها تلك لتُؤذي من يوجد منهم في ديار الغرب، وهم يُعدّون بالملايين. إذا كان التحريض الدعائي ضد الإسلام والمسلمين، يدفع حكومات الغرب إلى الإقدام على سياسات تنتهي بإيذاء مصالح العرب والمسلمين في أوطانهم، فهو يدفع شعوب الغرب إلى إساءة معاملة الجاليات العربية والمسلمة المقيمة، أو المواطنة في مجتمعاتها، وبالتالي، إلى التضييق على حرياتها والنيل من حقوقها، وتوليد الأسباب الداخلية لإعادة حكوماتها النظر في سياسات الهجرة، المعتمدة رسمياً، التي يستفيد منها المهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة من العرب والمسلمين.
هكذا نسهم نحن العرب والمسلمون من جهتنا أيضاً، في إنجاب الشروط والأسباب التي تسهل الذرائع على السياسات الغربية العدوانية ضد شعوبنا ودولنا، من طريق توليدنا بسياساتنا الخرقاء الشروط التي تُنجب الظاهرة/الآفة (الإرهاب).
لم تولد جماعات التطرف والإرهاب في المريخ أو في جزر الواق واق، ثم صُدِّرت إلينا، وإنما وُلدت في مجتمعاتنا. دينُنا ليس مسؤولاً عن وجودها، بيئاتنا العائلية والتعليمية والاجتماعية والسياسية، هي التي أنجبتْهُم وترعرعوا فيها. ومن دون تصحيح أوضاعها وإصلاحها وتنمية قيم التسامح والتفكير العقلاني، والديمقراطية فيها، ستظل مصنعاً لإنتاج طبعات مختلفة منهم. وحينها، سنظل نتبرع لتلك السياسات العدوانية الأجنبية بمن تقيم بهم الحجة علينا.
abbelkeziz@menara.ma