لغة المصالح الأمريكية

17-12-2018
عبدالله السويجي

مجلس الشيوخ الأمريكي صوت على مشروع قانون يؤيد إنهاء الدعم العسكري للحرب في اليمن يوم الخميس الماضي. هذا المشروع يحتاج إلى إقراره من قبل مجلس النواب حتى يصبح قانوناً، ولا شك في أن القيادات الجمهورية لمجلس النواب ستحول دون إقراره، ولكن هذا ليس بيت القصيد، وليس هذا ما تنتظره السعودية، وليس هذا ما سيصادق عليه الرئيس دونالد ترامب، ليس من أجل عيون الرياض ولكن لأن المصالح الأمريكية هي أولوية في نظر ترامب ومجلس الشيوخ ومجلس النواب وكل سياسي أمريكي، فالسياسة الأمريكية ببساطة موجهة من قبل أصحاب المصالح، وهم أصحاب رؤوس الأموال، الذين يأملون دوماً أن تنشب حروب في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط، وإن لم تتحقق آمالهم يلجؤون إلى أكثر من وسيلة لتغذية الصراعات وإشعال الحروب.
إن الشواهد والبراهين لما تقدم واضحة، بل وتتضح كل يوم أكثر فأكثر، وتعلمها السعودية وقادتها، ويعلمها سياسيون عرب كثيرون. وأبرز مثال على ذلك علاقة الولايات المتحدة بإيران، وهي علاقة لا تستند إلى العداء الكامل ولا إلى التفاهم الواضح، إنما تتأرجح وفق المصالح الأمريكية. فالدلائل تؤكد على أن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً ضد إيران، إنما تسعى دائماً إلى مواجهتها عن طريق الغير ولن نقول الوكلاء، فالسعودية وحلفاؤها ليسوا وكلاء لأمريكا، ولهذا، حين أدركت السعودية عدم جدية زعماء أمريكا تجاه إيران، ابتداء من أوباما وصولاً إلى ترامب، في مواجهة إيران مواجهة فعلية، بادرت بشن حرب ضد وكلاء إيران وهم الحوثيون، وذلك بدعم من التحالف الذي تلعب فيه الإمارات دوراً محورياً وجوهرياً، وقد استطاع التحالف إفشال المخطط الإيراني للسيطرة على اليمن وعلى الممرات البحرية وتأمين الملاحة في الخليج العربي وباب المندب، والآن، وبعد الاتفاق، سيتم تسليم ميناء الحديدة اليمني للأمم المتحدة، وكل ذلك إنجاز كبير للتحالف العربي وليس للولايات المتحدة فيه أي دور سوى أنها استغلت الحرب لتبيع أسلحة بمليارات الدولارات ما أنقذ اقتصادها من الركود وميزانيتها من زيادة عجزها، وستبقى الولايات المتحدة تزود التحالف بالأسلحة ليس من أجل عيون السعودية ولكن من أجل المصالح الأمريكية، التي يتباهى دونالد ترامب أنه استطاع خلق عشرات آلاف الوظائف.
حرب اليمن حققت أهدافها، ولم يعد باستطاعة إيران ولا الحوثيين التحكم بالممرات الملاحية الدولية، وتم كشف مخططاتها عالمياً بشأن التدخل في شؤون دول المنطقة، ووضع وكلائها على قائمة الإرهاب العالمية، ولم يعد أمام الحوثيين سوى التفاوض وتسليم السلطة للشرعية اليمنية حقناً للمزيد من الدماء، وبهذا فإن التهديد الأمريكي بمنع الأسلحة عن حرب اليمن لا معنى له، ولكنها بهذا التهديد تكشف أساليب جديدة لابتزاز دول المنطقة.
الولايات المتحدة لها قواعد عسكرية في أكثر من دولة، هي قواعد استراتيجية ليس من بين مهامها التصدي لإيران، وإنما وجودها في إطار توازن القوة مع روسيا، ومحاولة الاقتراب أكثر من روسيا والصين كعدوتين غير معلنتين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهناك سبب آخر جوهري يكمن في ضمان التفوق للجيش «الإسرائيلي» في المنطقة، كحليف استراتيجي يُهدَد به الآخرون، ويشكل عامل عدم استقرار في الشرق الأوسط، وهو ما تريده الولايات المتحدة، لأنها لو أرادت حل الصراع العربي -«الإسرائيلي» أو الفلسطيني- «الإسرائيلي»، لفعلت ذلك منذ عقود، منذ كارتر وكلينتون وبوش الأب والابن، لكنها غير معنية به على الإطلاق، وما يحدث هو اللعب على الزمن في انتظار أمر ما.
نأمل أن تنجح المفاوضات بين الأطراف اليمنية المتصارعة لما فيه وحدة أراضي اليمن ورخاؤه وسلامته، فهو مطلب خليجي قبل أن يكون يمنياً.
suwaiji@emirates.net.ae